د.محمد بن عبدالرحمن البشر
يوم عرفة يوم عظيم، وهو أعظم أيام السنة، يجتمع فيه على صعيد عرفة جموع الحجيج ليؤدوا مناسكهم، ويتموا حجهم، فالحج عرفة، ومن أصاب ذلك اليوم نال خيراً كثيراً، وهو يومٌ ينقطع فيه الحاج إلى الله ويتضرع إليه ويسأله كل ما يريد، فالدعاء في ذلك اليوم على هذا الصعيد أقرب للقبول من رب كريم، يشرع أبوابه لمن أراد قضاء حاجته، وعطاؤه ليس له حدود، وكرمه ليس به قيود، فسبحان المعطي الكريم، الرزاق العليم.
كنت ذات يوم من عام ألفين واثنين جالساً في مكتبي في مدينة بيجين عاصمة الصين، فقلت مازال الحج في فصل بارد، وقد كبر بعض الأبناء، والآن متاح لهم الحج، وقد يحول دون تحقيق ذلك حائل في سنوات قادمة، فعزمت على الحج برفقة من وجب عليه الحج، ولاسيما أن الاستطاعة الصحية والمادية آنذاك متوافرة، ولم يكن هناك عدد محدد لحجاج الداخل حسب ما أذكر، وقد أكون مخطئاً، فأبلغتهم بالنية، وعزمت وتوكلت على الله، وكان تنظيم الشركات قائماً، فتحقق المراد والحمد لله.
ما أود الإشارة إليه، ذلك المنظر البديع، ونحن على صعيد عرفة، في خيمة واحدة، مختلفين في ثقافتنا وفي لغتنا، وفي ألوان بشرتنا، ومنا الأمير، والوزير، والسفير، والتاجر، والعامل، لا فرق بيننا، لكننا نلبس اللباس نفسه، وندعو على صعيد واحد، متجهين إلى قبلة واحدة وندعو رباً واحداً، فحمدت الله على هذا الدين الذي يحمل في طياته العدل والمساواة، فلا فرق بين عربي ولا عجمي، ولا كبير ولا صغير، ولا أبيض ولا أسمر، ولا حنطي ولا أصفر، إلا بالتقوى، وقلت هذا هو الإسلام متجسداً في هذا اليوم، في هذا المكان المبارك، فسبحان الله رب العالمين.
ولقد لفت نظري رجل في الأربعين من عمره تقريباً لم يتوقف أبداً عن التضرع والدعاء والبكاء، لا يتحدث مع أحد، ولا ويلتفت، ويريد أن يستثمر كل دقيقة من هذا اليوم العظيم فهنيئاً له بما نال، نرجو من الله له ولنا القبول.
هذا اليوم العظيم يتلوه يوم عيد، وهو يوم فرح وسرور، كما هو الحال في عيد الفطر، الذي يأتي بعد شهر الصوم، وهو شهر استثنائي لدى المسلمين، يجتهدون فيه للعبادة، والعيد في ذاته عبادة، وكأن الإسلام بهذا يشير إلى أن المسلم الصادق مع ربه، والذي عمله لوجه الله، يكسب بإذن الله الأجر في اجتهاده في نسكه، وأيضاً في عيده وسروره وفرحه، فهو بإذن الله مأجور في كلا الحالين، والحاج ملزم بتقديم الهدي، امتثالاً لأمر الله، فقد قدَّم أبونا إبراهيم - عليه السلام - أضحية، عوضاً عن ابنه إسماعيل، ودلالة على طاعة إبراهيم - عليه السلام - لربه في كلا الحالين، وهو ما ينبغي للمسلم أن يفعل فيما يكره وما يحب، بل عليه أن ينفذ أمر الله وهو راضٍ تمام الرضا، وغير الحاج يُسن له تقديم أضحية بقدر استطاعته، وقد ضحَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين عن أهل بيته وعن أمته.
وعبر التاريخ كانت هناك مجتمعات فرضت على نفسها ضرورة ذبح أضحية حتى وإن كانت الظروف المالية لا تسمح بذلك، ومازالت مجتمعات في وقتنا الحالي لا تقبل أن يمر العيد دون أضحية حتى وإن لزم الأمر الاستدانة، وهذا يتنافى مع ما يجب على المسلم فعله، فالأضحية سُنة، وبقدر المستطاع، وليس فرضاً.