حسن اليمني
واقعياً وبعيداً عن استماتة بعض وسائل الإعلام الصهيوني وملحقاته فقد مضت ثمانية أشهر من الحرب والقتل والتدمير تارة من شمال غزة وأخرى من وسطها شرق وأخرى غربا ثم انسحابات مهزومة وتجمعات لاقتحام غزة من جنوبها في رفح، وأما وقد تم اقتحام رفح وظهرت نتيجة هذا الاقتحام مثل سابقاتها في شمال ووسط غزة حيث الحمق الصهيوني وانكشاف عجزه التام عن تحقيق أي من أهدافه؟ فبماذا سيواجه داخله ويبرر قتل وجرح الآلاف من جنده وهلاك عشرات الأسرى؟ أضف لذلك خسائر فادحة في المعدات والآليات العسكرية من جهة وإنهاك الاقتصاد والنشاط التجاري والزراعي إضافة إلى تشريد آلاف المستوطنين الصهاينة في الداخل ثم ما هو الجواب المستحق لأهالي الأسرى المنتشرين اليوم في الشوارع احتجاجاً على استمرار الحرب.
في الحقيقة أن الكيان الصهيوني وصل اليوم بغباء إلى نقطة «نكون أو لا نكون» ولم يعد باستطاعته العودة عن الحرب قبل تحقيق نصر يبرر هذه الحرب، وحين يصل اكتساحه لرفع نهايته فإنه ليس من المحتمل العودة على ذي بدء وأمام لزوم الاستمرار في الحرب فمن المتوقع أن يتحول الأمر إلى حرب استنزاف في قطاع غزة مع ربما فتح جبهة في الشمال الفلسطيني ضد حزب الله ليس فقط لاستمرار اليمين الصهيوني في الحكم بل للحيلولة دون نشوب صراع داخلي محتمل أن يصل إلى حرب أهلية في داخل الكيان، وبما يرفع سقف الخيار العسكري لحل القضية الفلسطينية بديلا عن الخيارات السياسة.
إن نهاية الكيان الصهيوني في فلسطين أو حتى انكشاف ضعفه تعني أن وضعا مستجدا سيظهر في العالم ويحكم سياساتها واتجاهاتها، هذا منطق طبيعي لحركة التفاعل، وهذا ما يعطي التساؤل عن ماذا بعد رفح وضرورة البحث عن أجابته، ومعلوم أن الإجابة الأسهل والأكثر احتمالا هي في العودة للوسطاء للتغطية على الفشل من خلال الاتفاق بما توافق وتقبله حماس وبما يعتبر في النهاية نصر للمقاومة وهزيمة للكيان، هذا بحد ذاته يأخذ الكيان المحتل لنفس النتيجة التي يأخذها الاستمرار في الحرب، بل إنه سيكون هزيمة ساحقة لليمين الصهيوني المتطرف الحاكم اليوم في الكيان، بما يعني أنه انتحار سياسي تزيد أثمانه بكل دقيقة وساعة وتستمر فيها أثمان هذه الحرب، أما وقد وصلنا إلى ثمانية أشهر والاحتمال هو في الاستمرار لتجاوز عام كامل من الحرب فإن النهاية إن لم تكن نصرا ساحقا وتاريخيا للكيان الصهيوني متمثلا في تحرير جميع الأسرى والوصول إلى قيادات حماس العسكرية والقضاء التام على المقاومة فإنه لن ينقذ اليمين المتطرف، وهو بكل الأحوال أبعد من المستحيل فما لم تستطع الوصول إليه خلال ثمانية أشهر لن تصل إليه خلال أربعة أشهر قادمة، ومن المفارقات ان العدو الصهيوني اعلن وكرر ان قيادات حماس العسكرية والأسرى موجودين في رفح وقبل أيام أعلن أن السنوار وقيادات المقاومة العسكرية والأسرى لم يعودوا موجودين في رفح وإنما اتجهوا إلى وسط غزة... وبمثل لعبة القط والفار صار الكيان المحتل يضرب رأسه في الأرض...
ما يجب قوله هو إن ما يسمى إسرائيل أصبحت اليوم في خطر وجودي وان احتمال زوالها أصبح احتمالا معقولا ولكن الكثيرين يربطون الوجود الإسرائيلي بالوجود للقوة الأمريكية، وبالتالي طالما أن الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت هي القوة العظمى فلا احتمال لزوال الكيان المحتل، لكن المستجد هو السؤال عن أي من الوجودين أقرب للسقوط أولا ليلحقه الآخر، إن كان من ناحية الولايات المتحدة الأمريكية فقد بدأ سقوطها الاعتباري داخليا منذ اقتحام مؤيدي ترامب لمجلس الكونغرس ثم تبعه انتخاب يساري مسن أجج بسياساته طلبة الجامعات الأمريكية وانكشاف زيف قيمها الأخلاقية والإنسانية على مستوى العالم، وخارجيا ظهر التحدي في أوكرانيا وتايوان وتحرر دول لا زالت تعتبر حليفة لأمريكا عن المسار الأمريكي إضافة لدخول الصين للغرب الآسيوي والعمق الأفريقي، كما أن إحلال العملات المحلية بديلا عن الدولار الأمريكي في كثير من الدول واحتمال توسعه مع تفوق الصين الاقتصادي والتصنيعي وعوامل كثيرة أخرى كل ذلك يسحب الولايات المتحدة الأمريكية للخلف والتراجع، وهذا بحد ذاته كاف للنيل من قوة الوجود للكيان الصهيوني فإن أضفنا لذلك رعونة الساسة في اليمين المتطرف وتشبعهم بالكبر والغطرسة على المنطق والعقل مع نهوض حركات المقاومة في جنوب وشمال فلسطين والإحلال محل الجيوش العربية في المواجهة فإن الرهان على استمرار الوجود للكيان المحتل في فلسطين أصبح مشكوكا فيه إلى درجة كبيرة، بل وصل الحال إلى التساؤل عن تاريخ ذلك باعتباره من الاحداث المحتملة قريبا.
في رؤية ونظرية الملك عبد العزيز آل سعود كان يرى أن تحرير فلسطين عائد لأهلها وان واجب العرب دعمهم بكل المستطاع وهو في الحقيقة ما يحدث اليوم فعلا، فالمواجهة العسكرية بين رجال فلسطين وقوات الاحتلال في الداخل وبين الدول العربية والعالم سياسيا، ومثلما حقق الداخل الفلسطيني صمودا وقوة في الداخل سيؤتي ثماره فقد حققت السياسة العربية في الخارج نتائج سياسية كبيرة لعلنا نذكر منها طرح حصول فلسطين على عضوية كاملة في هيئة الأمم المتحدة واتجاه دول أوروبية للاعتراف بدولة فلسطين وإحراج الولايات المتحدة الأمريكية في اتباع الأقوال بالأفعال والاعتراف -فعليا- بدولة فلسطين وفتح سفارة لها في واشنطن، فاجتمعت القوة السياسية وقوة الصمود لتخلق واقع ادخل الكيان المحتل والولايات المتحدة الأمريكية في مأزق السقوط، وصار السؤال متى؟