علي حسين (السعلي)
احتملتُ تعبي، تشبّثت بكرسي لمستُه صدفة، رقص بداخلي عرّاض من أثر ضرب زير ودفّ عرس فرحا، دمعي يتهادى من وجنتي ، والعرق يتصفّد من جبيني ولما حاولت أن أقف انزلقتْ !
السقطة قوية لكنها ليستْ أقوى ممّا أحسّه خلف ضلوعي من حكايات إن خرجت أحرقت الفاصلة والنقطة والتهمت قبلها الورق ، ينتابني وحشة لم تمرّ عليّ من قبل، ورعب وقلق، أشعر صدقا أن فرحتي من شفتي انخطفت خاصة ومن رمشي انسرق !
وأنا هكذا تذكرت مذكرات فرانز كافكا الأخيرة والتي أسماها البعض رسائل الموت، تلك التي كتبها لخطيبته ميلينا من دفاتره الأخيرة والتي منها أنه لا يحتمل أن يعيش في بيت آيل السقوط، فاضطر أن يبني بجانبه بيتا جديدا وحتى قبل أن يكتمل حنّ لبيته القديم، وهو على كذا حاله يذهب ويجيء كرا وفرّا !
الخوف من المجهول يغتالني بين فترة وأخرى، كنت وما زلت أسأل نفسي كثيرا ما الذي ينتظرني في قادم الساعات، نعم فلم أعد لأيامي ولا أن أصل لاثنتي عشرة سنة من شدّة فزعي من ماذا ؟ والله لا أعلم سوى أن أنهض رغم مشقتي في ذلك، أشعر بأني قادر على تحملني، أحمل نفسي بنفسي، كم تمنيت أن أجلس كأبٍ في صدر الطاولة وعلى كرسي ويداي ممتدتان عليها وعن يميني زوجتي وعلى جانبي أطفالي بالكاد جباههم تصل طرف الطاولة ، فقط كل همي أن امسك كرسيا بيدي هاتين ولكن هيهات حين مناص !
اذكر جيدا أمي حين وصّت والدي ذات فجر في قريتنا القديمة قائلة : اسمه يا رجّال بيتنا فاضي … خذ من اللحم وكثّر من الأكتاف ها سمعت ؟ الغريب السعادة تعلو مبسمهما رغم قلّة الحيلة ، أبي خلف رجالات القرية وأمامهم ثور ويقوده رجل من عائلة مبروكة تسمىّ (الفيلان ) كل من يقترب منهم أو يمشي خلفهم يتبارك بهم، لا يتركون منزلا حتى يمرون من جانبه حتى عريفة القرية ترك كرسي العمدة وفي مقدمة الرجال، ولما يستقرون في ساحة الذبح وتوزيع اللحم، ينهمر المطر بقدر كثرة الصدقات على باقي الأهالي وفي الغالب بعد الذبح فورا !
يا الله من يخلصني مما أنا فيه ، هل أصرخ مناديا ، لا فائدة لا أحد سواي يسمعني ، لكني سأحاول، انا لست عاجزا، الإعاقة في العقل فكرا لا في الجسد مشيا، أنا افكر إذا أنا نشيط الذهن، اطرافي تحركني كيفما أشاء، لا يقتلني وأنا حيّ إلا أن اثبّط نفسي بنفسي أوّاه يا نفسي… حسنا هناك كما يخالني لكن لحظة أنا في منتصفها أم في يمناها، يا الله أنا أين بالضبط، هل هناك من منقذ يردّ علي ؟!
يسمع صوتا خافتا، يرفع رأسه بصعوبة، هوى به على كفيه ووجهه في شباك خشبي وستارة ممزقة لا تتحرك تذكر ذات عصرية، هنا في ذات الشباك في مراتع صباه أمه ترفعه ممسكا بجانبيه، يبصر كل من يمرّ على الطريق خصوصا ذاك الطفل الذي ينزع لباس سوأته ويدفنه يبتسم ويشير لأمه فيضحكان !
لماذا لا أحد يسمعني ، دخيلكم أنا خائف الليل أرخى سدوله ، هاه ساعتي أين هي يوووه يا ربي !
ليس مهما ، فالوقت يمضي وحياتي معها !
سقط أخيرا ممسكا بطرف الكرسي، اشعل الفانوس أرجاء المكان ، دخل أعضاء الفرقة من الكالوس، صفّق الجمهور كثيرا أغلق الستار على عرض يشبه كثيرا قصة من واقع بعض الناس .
سطر وفاصلة
ابتسمتْ وانثال الحزن ارتال. الغياب.. وانطلق بساط الريح للسماء، مصافحا مجدا عباب . ووشاحٌ لفّ خاصرة الجمال ، بوجهٍ تفتّق بالخدّين تفاحة السحاب.