أحمد بن عبدالرحمن السبيهين
في سنة 1900 وصف والدي، وجمعٌ من المؤيدين له من جيله، السيارة بأنها اختراع غبيّ وغريب وغير عمليّ، وتساءلوا: «من أين سيأتي المال الذي سيطوّر هذا الاختراع، وليس هناك طُرق مُهيّئة للسير عليها؟ ربّما أمكن بيع مائتي أو ثلاثمائة سيارة، ولكن هذا كل ّشيء»!
بمثل هذا التشكيك والاعتراض الصريح عند اختراع السيارة، قوبل كلّ اكتشاف أو اختراع جديد، يوفّر الوقت والجهد.
إن تطوير منتجات جديدة، نادراً ما يأتي من احتياج عامّ لها، بل على العكس، إذ يلزمها محاولات إقناع مُستمرّ للجمهور بجدواها وفائدتها في تيسير أمور الحياة، ورفع مستوى المعيشة.
والمعارضة الشديدة لا تأتي فقط من الفئات الجاهلة في المجتمع؛ فقد سخر مثلاً مسئولو مكتب تسجيل الاختراعات من رجُلٍ تقدّم لتسجيل اختراع لديهم، فوصفوه بأنه «الغبيّ الذي يريد أن يمتطي الهواء»، لأنه فكّر في اختراع المنطاد الهوائي!
وعندما قدّم «سام مورس» جهاز البرقية للحكومة، أفادت إدارة البريد بأن الفكرة ليست عملية!
وفي عام 1856، كتبت صحيفة في شرق البلاد بأن «الناس المُطّلعون يعلمون بأنه من المستحيل نقل الأصوات البشرية عبر الأسلاك، ولو فرضنا أن ذلك أصبح مُمكناً، فلن يكون له أيّ قيمة»!
ومنذ 42 عاماً، سخرتْ صحيفة في «نيويورك» من رجُلٍ لديه «فكرة مجنونة»، في استبدال المصابيح الغازية بالكهرباء!
وفي «لندن»، عندما قدّمتْ لجنة برلمانية خُطّة لاستخدام الأقواس الكهربائية في إضاءة الشوارع، سُئلتْ اللجنة عمّا إذا كانت قد استشارت المُخترع الأمريكي «توماس أديسون»، فكانت الإجابة: « السيد أديسون لا يستند إلى مكانة علمية..»!
ولقد سَنّ البرلمان مرّة قانوناً يمنع بناء سكّة حديدية للقطار البخاري، مُتأثّراً بانحياز الرأي العام المُعارض للفكرة، على أساس المخاوف الطبية من انتشار السموم في الأجواء، وهلاك الطيور بسبب الاختناق!
كلّ ما سبق حدث منذ أقلّ من مائة عام، ولا زالت نفس المُعارضة بأشكال وقوّة مختلفة تواجه اليوم الصناعات الرائدة، التي لديها ابتكارات جديدة لتقديمها للمجتمع.
لا شكّ أن هنالك حاجة ماسّة للأشياء الجديدة، إذ لو أردنا تعريف ماهيّة «المستويات المعيشية العالية»؛ لوصفناها باختصار بأنها: تقديم أشياء جديدة لأُناس أكثر.
فعلى سبيل المثال، بلغت نسبة 40 % من مبيعات إحدى الشركات الكبرى، منتجات جرى تطويرها خلال العشر سنوات الماضية فقط. ولقد تمّ تقديم أكثر من مليون ابتكار جديد للبيع، في محلّات التجزئة، خلال الخمسين سنة الماضية!
ولكن هذه المنتجات وجدت طريقها إلى رفوف المتاجر بكلّ صعوبة وإصرار، علماً بأن ثمانية عشر ابتكاراً منها جرى تحويلها إلى صناعات ضخمة توظّف الملايين، الذين تصل نسبتهم إلى رُبع الأيدي العاملة في البلاد.
ولو درسنا حالات أيّ من هذه الاختراعات المُطوّرة، لرأينا أن نجاحها يعود دائماً إلى مغامرين حفّزونا للخروج من بعض أساليب حياتنا التي عفا عليها الزمن، واستمرّوا بالضغط عليتا للقبول بمستويات معيشية أرقى، طالما قاومناها!
ولكن من هُم هؤلاء الذين يدفعون المجتمع للتقدّم؟ إنهم مجموعة صغيرة مُنحوا رؤية مُستقبلية، وحماس لا يخبو، لرؤية ما يحلمون به مُتجسّداً على أرض الواقع.
إنهم أفراد لديهم قُدرة مُتميّزة على إقناع الناس باستبدال جهودهم الذاتية القديمة، مُقابل حصولهم على بضائع وخدمات جديدة أفضل، موجودة لدى الآخرين. ويمكن أن نُسمّي قوّة الإقناع هذه في الاستخدام التجاري الدّارج «بالبيع»، مع أن هذه الكلمة أصبحت من المُصطلحات غير المُرحّب بها كثيراً في السنوات الأخيرة!
ففي الوقت الذي نُقدّر فيه المُساهمات المُتميّزة في مجالات العلوم والآداب؛ نشعر بأن الاحتفاء بالإنجازات في مجال التطوّر التجاري والصناعي من الأشياء التي نخجل من الاعتراف به.
عندما يُرحّب المجتمع بحياة الوفرة وازدهار الإنتاج، فإنه ربّما يتساءل عمّن يقف خلف تحريك الساكن، وتحاشي الركود، وتسريع الدورة الاقتصادية، ومنع تجميد الأموال؟ من الذي يخلق الوظائف، ويهتم بتحقيق الأرباح للمساهمين؟
إنهم أولئك المحفّزين نحو تطوير التجارة والأعمال، وتقديم الخدمات والإنتاج الصناعي، هُم الجنود المجهولون خلف إنشاء المؤسّسات التي توفّر الوظائف للقوى العاملة.
هُم وراء إنتاج أسلاك الهاتف، وهوائيّات الراديو، والطائرات والسيارات، ومحطّات الطاقة، والبنوك وشركات التأمين، وشبكات المياه.
إن من حقّ هؤلاء الروّاد الحالمين أن نحتفل بإنجازاتهم، ونُشيد بجهودهم على كلّ المستويات.
• للكاتب «ميرل ثورب» Merle Thorpe من مجلّة «ريدرز دايجست» لشهر نوفمبر 1937