عبده الأسمري
مضى في «ركب» التدين وأمعن في «كسب» الزهد وانتهل من «معين» الفضائل ونهل من «معن» الدلائل حتى بنى «صروح» البصيرة من «طموح» السريرة التي نطقها بالحق جهراً ودفعها للعلا مهراً ليعتلي «منصات» المعالي بأسبقية «الذكر» وأحقية «الشكر».
ارتكن إلى أصول من المصابرة وارتهن إلى فصول من المثابرة حتى كتب جملته الأسمية من مبتدأ «الثبات» وخبر «الإثبات» وظل «الضمير المتصل» في شؤون «النفع» و»المصدر الصريح» في متون «الشفع».
رتب «مواعيد» الاستقامة على أسوار «الاستدامة» بآراء فقهية ورؤى فكرية نالت «الاتفاق» وحققت «الوفاق» من أعماق «العطاء» إلى افاق «الإفتاء»...
إنه عضو هيئة كبار العلماء سابقاً معالي الشيخ الدكتور عبدالله الركبان أحد العلماء والفقهاء في السعودية والعالم الإسلامي.
بوجه نجدي مسجوع بابتسامة الرضا ومشفوع باستدامة الوقار وملامح تزهو منها معاني الصلاح والفلاح وتنبع وسطها معالم التواضع والبساطة وعينان كريمتان كانتا موطن صبره ووطن بصيرته وأناقة تعتمر البياض الذي يوازي نقاء داخله مع شخصية لطيفة التواصل أنيقة التعامل بديعة القول أصيلة الطباع نبيلة الطبع زاهية الحضور باهية التواجد وكاريزما ترفل أدباً وتهذيباً مع صوت خليط من لهجة «نجدية» ولغة «ندية» ممزوجة من فصاحة «اللسان» وحصافة «البيان» تنطلق من مخزون «شرعي» وتتوارد من مكنون «فقهي» تعتمد على أسس «الدراسة» وتتعامد على أركان «الخبرة» مع مواهب شتى في البحث والنقاش قضى الركبان من عمره عقود وهو يبهج «منابر» المساجد بضياء الخطابة وينير «فتاوي» السائلين بإمضاء الإجابة ويملأ قاعات الجامعات والمعاهد بعطاء «التدريس» ويضيء مواقع البدايات بسخاء «التأسيس» أكاديمياً وإماما وخطيبا ًوعالماً ومفتياً اقترن اسمه بسجلات «البارزين» وتقارن صيته بمجالات «المبدعين».
ولد الركبان عام 1362 في مدينة «المجمعة» الدرة المشعة في إقليم سدير الشهير بتخريج العلماء والفقهاء وسط «أسرة فاضلة» ورثت «الفضل» وتوارثت «النبل» وتفتحت عيناه صغيراً على أب شهم كريم وأم عطوفة حنونة ليبدأ خطواته «الأولى» بين قطبين من الاعتناء والسخاء.
رافق والده إلى مجاميع القراء ومواقع الوجهاء ومواطن المحدثين فتسربت إلى وجدانه «أمنيات» باكرة بضرورة تحقيق ذلك «الحلم الأبوي» الذي زرعه فيه بدلائل «الاهتمام» ورسائل «الإلهام».
اقتبس في سنوات عمره الأولى «الإشعاع» الذهني من صيت والده القارئ المثقف فتعمقت في طفولته طرائق «التربية» وحقائق «التوجيه».
لاحظ ولديه نبوغه الباكر فالحقاه بالدراسة وهو صغير لم يتم «الخامسة» من العمر وتم قبوله لوجود أخيه الذي يكبره معه في ذات المدرسة مع مرونة تعليمية حاضرة في ذلك الوقت.
درس الابتدائية في المدرسة السعودية بالمجمعة وكان «مبصراً» ثم تعرض إلى مرض «الجدري» الذي انتشر في مواقع متعددة من نجد وتسبب في فقده لبصره وأسهم في سطوع بصيرته وتميز مسيرته لاحقاً حيث واصل دراسته رغم «العمى» ولم يؤثر في تميزه الدراسي بل كان دافعاً لإبداعه المستقبلي وانتقل إلى المدرسة العزيزية بالمجمعة وأكمل دراسته الابتدائية فيها وبعدها فتح المعهد العلمي بالمجمعة ودرس فيها وتلقى أول مكافأة مصروفة للطلاب وكانت «70 ريالاً» واجتاز المرحلتين التمهيدية والثانوية بجدارة.
استعان بالصبر والصلاة فكان من الخاشعين ولازم الجوامع والقرآن فظل من المتقين ومكث يلاحق «العلوم» في خطب الجوامع وفي مرابع قومه ووسط ميادين بلدته.
أنصت صغيراً إلى «أصداء» مذياع والده العتيق وظل يلتمس من البرامج الإذاعية مشاهد «تحويل» العلوم إلى أداء صوتي يسر السامعين بغنائم «الفوائد» ومغانم «العوائد».
ولشغفه بالعلم فقد قرر مواصلة دراسته رغم «مصاعب» التنقل و»متاعب» الانتقال حيث التحق بكلية الشريعة وحصل على درجة البكالوريوس بتفوق وعمل بعد التخرج وأستاذا في معهد إمام الدعوة بالرياض ثم أكمل الدراسات العليا وحصل على درجة الماجستير في الفقه المقارن من كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر بالقاهرة عام 1389هـ ثم نال درجه الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى من نفس الجامعة عام 1394هـ وأصبح أستاذا للدراسات العليا وعضو هيئة التدريس في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وفي عام 1420هـ صدر أمر الملك فهد رحمه الله بتعيينه عضوا في هيئة كبار العلماء وعضوا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بالمرتبة الممتازة وأمضى فيها سنوات طويلة ظل خلالها من أبرز الأسماء في الهيئة وشارك برأيه ورؤيته وعلمه وعمله في عدة مجالات.
تميز بحبه لعمله وشغفه بعلمه وامتاز بحرصه الدقيق على الوقت والانضباط في أداء مهامه حتى أنه قدم اعتذاراً مسبقاً أكثر من مرة في سنوات سبقت تعيينه عضواً بهيئة كبار العلماء حرصاً منه على الوفاء بالتزاماته العملية والعلمية مع جامعته وطلابه وإمعاناً في الجمع بين القطاعات بكل أمانة وإخلاص وفق توزيع يراعي دورة الزمن ويستوجب دائرة الهدف.
للركبان عدة عضويات وهو عضو في مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي وله إسهامات كثيره في مجال البحث العلمي وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه من أبرزها رسالة الدكتوراه للشيخ عبدالله بن جبرين ورساله الدكتوراه لمعالي رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله بن محمد آل الشيخ.
ظهر بشكل مميز ولافت في منصات إعلامية متميزة على مدار سنوات حيث كان ضيفاً بارزاً ومؤثراً في برنامج فتاوى نور على الدرب وبرنامج الجواب الكافي وبرنامج حكم وأحكام على إذاعة القرآن الكريم وتمت استضافته في عدة برامج حوارية في عدة قنوات.
وتولى الإمامة والخطابة في جامع الملك سعود بالناصرية منذ 40 عاماً. وقد عمل في التدريس بمعهد الإدارة العامة في برامج دبلوم لعدة مناهج ومقررات في فترة المساء لانشغاله بالتدريس في الجامعة صباحاً.
رغم مهامه وانشغالاته بالتدريس الجامعي والإشراف على رسائل الدراسات العليا والخطابة والإفتاء إلا أن الشيخ الركبان شغوف بالتأليف حيث قام بإصدار عدة كتب ومنها: النظرية العامة لإثبات موجبات الحدود (جزأين) والقصاص في النفس والرجوع عن الإقرار وقدم العديد من البحوث العلمية والأوراق العملية في عدة مناسبات ومؤتمرات بالداخل والخارج.
ملأ صفحات مسيرته بعبير «الالتزام» راغباً في ملء صحائف آخرته بأثير «المرام» ما بين «دواعي» التدين إلى «مساعي» اليقين في حياة نثر فيها أريج «الاقتداء» في ثنايا مناقبه وعطايا مآثره ورسخ وسطها مزيج «الاحتذاء» في وسطية رأيه وقوة حجته.
يظهر الركبان بصورته الباهية وصوته الهادئ اللطيف اللين الممزوج بالدراسة والخبرة والممهور بالهبة والموهبة في الفضاء الإعلامي والمنصات الرقمية والمجالات الوعظية والاتجاهات المعرفية ضمن مشاهد من «الفتاوى» وشواهد من «الردود» القائمة على منهج السلف الصالح والمتصلة بضرورة الأحكام واحتكام الضرورة ووسطية الإسلام.
عبدالله الركبان العالم الجليل والخطيب النبيل صاحب الإضاءات العلمية والإمضاءات العملية والسيرة الزاهية بالسداد والمسيرة الباهية بالانفراد.