قبل ما يربو على أربع سنوات وتحديداً قبيل جائحة كورونا «كوفيد19»؛ كنت قد عقدت العزم على السفر إلى المنطقة الشرقية متى ما سمحت بذلك الظروف، والذهاب للقاء معالي الشيخ فيصل بن محمد بن عبدالعزيز الشهيل - رحمه الله - الذي كان يستقبل وبشكل مستمر قاصديه وزواره، وهو العزم الذي حالت مشيئة الله سبحانه وتعالى دون تحقيقه، فقد توفي الشيخ فيصل الشهيل في فترة الجائحة.
وذلك بعد رحلة استمرت زهاء تسعة عقود، نال صاحبها ثقة ولاة الأمر وتميز في الأعمال الإدارية التي تولاها والتي كان فيها مخلصاً ومنجزاً، وحاضراً أيضاً في مجالي الثقافة والرياضة في السعودية منذ بزوغهما، حيثُ ساهم في تأسيس صحف وأسس أخرى وتولى رئاسة عدد من الأندية الكروية وعدد من المهام الرياضية، مما سيأتي ذكره في هذه السطور، وحسبي فيها أن مالا يدرك كله لا يترك جله، وهي جهد المقل أنشرها مقدماً لرجل ومؤخراً لأخرى ومن الله أستمد العون والرشاد.
الجذور والأسرة
تنحدر أسرة آل شهيل نسباً من عائذ من عبيدة من قحطان؛ وهي التي يُرجح أن استقرار جدها الأعلى «شهيل» في الرياض كان قُبيل تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ - 1727م أو في السنوات المبكرة من عهد مؤسسها الإمام محمد بن سعود، بقي آل شهيل في الرياض وفيه تملكوا، ومن أملاكهم التي عرفت لاحقاً «قري آل شهيل» - يقع الآن جنوب غرب مدينة الملك سعود الطبية تقريباً - .
ثم في عهد الإمام تركي بن عبدالله انتقل راشد بن عبدالله بن شهيل من الرياض إلى منطقة قصور الباطن الواقعة في مستهل وادي قرقرى، وفيها امتلك «قصور آل شهيل» وبها استقر، وهي الواقعةُ قرب المزاحمية غربي الرياض. وعلى أثر خلاف عائلي لاحقاً انتقل عبدالعزيز بن راشد بن شهيل منها إلى المزاحمية عند والد زوجته ابن عظيمان التمامي، التي كانت قد أنجبت له ابنين أحدهما الشيخ محمد بن عبدالعزيز الشهيل الذي غادر المزاحمية وهو في الرابعة عشرة من عمره ليلتحق في صفوف جيش الملك عبدالعزيز، ولينضم في سرية يقودها فهد بن معمر قبل أن يقتل ابن معمر ويلتحق الشهيل بعبدالرحمن بن نويصر العنقري الذي كان قد توجه بأمر من الملك عبدالعزيز لحصار العلا وضمها للحكم السعودي، وفي أثناء الحصار كلّف ابن نويصر محمد الشهيل بأن يدخل العلا بسرية صغيرة لتأكد من نوايا أهلها الذين كانوا قد طلبوا تسليمها سلمياً قبل أن يدخلها ابن نويصر لأخذ بيعة أهلها للملك عبدالعزيز، وبعد أن دخلها ابن نويصر وأخذ بيعة أهلها أرسل برقية إلى الملك عبدالعزيز يخبرهُ فيها بضم العلا وأخذ البيعة من أهلها بعد حصار قارب الشهرين فجاء الرد من الملك عبدالعزيز بتعيين ابن نويصر أميراً على العلا، وأن تتوجه سرية من العلا إلى تبوك، فوقع الاختيار على محمد الشهيل لتوجه بتلك السرية.
الميلاد والتعليم
بعد وصول محمد الشهيل إلى تبوك؛ جاء أمر الملك عبدالعزيز بتعيينه أميراً عليها عام 1344هـ/1926م، ليكون بذلك أول أمير لتبوك في العهد السعودي. بقي الشهيل في تبوك أربع سنوات، تزوج خلالها مرتين، كان الزواج الثاني وهو الذي استمر حتى فارق الشهيل الدنيا، من السيدة فوزية بنت محمد الفقيّر. التي انتقلت معه من تبوك إلى إمارته الثانية في تربه ثم إلى الطائف حيثُ تولى إمارتها خلفاً لمحمد بن عبدالعزيز آل الشيخ المعروف بـ «الصحابي».
وفي الطائف كان مولد فيصل بن محمد الشهيل عام 1354هـ - 1936م، قبل أن ينتقل والده ليعين أميراً على الليث لمدة عام واحد، ثم ليستقر بعدها في مكة المكرمة. في مكة المكرمة كانت أولى محطات مسيرة فيصل الشهيل الدراسية، حيثُ التحق طالباً في المدرسة السعودية، التي كان أكثر المدرسين فيها من خريجي جامعة الأزهر، وهم الذين كانوا يتميزن بلباسهم عن غيرهم. وعن تحصيله الدراسي أبان دراسته في مكة يقول شقيقه المؤرخ عبدالله عنه «كان ماهراً بالحفظ، والقراءة والكتابة، وامتاز بجمال الخط»، استمر الشهيل في المدرسة السعودية حتى الصف الرابع ابتدائي، حيثُ عين والده أميراً على المنطقة المحايدة شمال المملكة وانتقل مع عائلته إليها، مما تسبب في انقطاع فيصل واشقائه عن الدراسة لمده عامين، غير كتاتيب ومدرسة نظامية في حائل التحقوا فيهما لفترة وجيزة، قبل أن يقترح فيصل على والده مواصلة الدراسة في العراق الذي أبدى الموافقة على اقتراح ابنه.
سافر فيصل مع ابن عمته إبراهيم بن فهد الزامل الحوشان إلى البصرة بالعراق للقاء نائب القنصل السعودي فيها آنذاك الشيخ محمد الحمد الشبيلي، وللبحث عن إمكانية التحاق فيصل في مدرسة في البصرة أو الزبير وهي التي كان والده يفضلها على غيرها لقربها من المنطقة المحايدة ولكون بيئتها مشابهة للبيئة النجدية. إلا أن الشبيلي اقترح على فيصل الدراسة في بغداد كون التعليم فيها كان أفضل، فالتحق فيصل بإحدى المدارس الداخلية ببغداد عام 1944م تقريباً. وفي بغداد بقي حتى نال شهادة المرحلة المتوسطة، حيث انتقل بعد ذلك إلى بيروت، التي كان والده قد اتخذها مصيفاً شأنه كشأن الكثير من السعوديين والخليجين خصوصاً والعرب عموماً، الذين سحرتهم بيروت في خمسينات وستينات القرن الميلادي المنصرم.
فكان إعجابه بها سبباً في قراره بنقل أبنائه من بغداد إليها لمواصلة تعليمهم؛ وصل فيصل وشقيقه عبدالله إلى بيروت الساحرة في شهر سبتمبر عام 1951م، وفور وصلهم انضم فيصل إلى المدرسة الثانوية التابعة للجامعة الأمريكية فيها. ثم بعد تخرجه منها، انتظم في الجامعة الأمريكية في بيروت متخصصاً في المال والاقتصاد. وخلال السنوات التي عاشها في بيروت، عاصر الشهيل مختلف التيارات الفكرية التي كانت بيروت تغص بها آنذاك. ويتذكر فيصل الشهيل عدداً من المواقف؛ منها دعوة أحد أعضاء حزب البعث له لحضور اجتماع مجموعة من أعضائه يسمونها فيما بينهم «الخلية»، ويستفتحون اجتماعهم بوقوف أحدهم وهتافه بشعار حزب البعث «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، ثم بعد انتهاء الاجتماع سئل الشهيل من قبل الداعي عن ملاحظاته، فأجاب الشهيل: ملاحظتي هي لماذا لم تقولوا «بسم الله الرحمن الرحيم» عند استفتاح الاجتماع؟ فأجابه الداعي بأن حزب البعث حزب علماني، ولعل تلك كانت المرة الأولى التي يسمع فيها الشهيل بـ «العلمانية».
أيضاً يتذكر فيصل الشهيل زيارة الملك سعود للبنان ولقائه بالطلاب السعوديين في الجامعة الأمريكية في بيروت التي كنت تضم عدداً ليس بالقليل منهم، وإمامته لهم في الصلاة، ثم سؤاله إياهم عن إن كانوا يدرسون المواد الدينية في المناهج التعليمة بالجامعة، ثم لما أجابوه بالنفي، أمر الملك سعود الشيخ عبدالمحسن المنقور الملحق الثقافي السعودي في لبنان آنذاك بتخصيص مدرس للمواد الدينية يقوم بتدريس الطلاب السعوديين ومن رغب من الطلاب العرب والمسلمين الحضور.
نال فيصل الشهيل درجة البكالوريوس في الاقتصاد والمال من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1959م، ليتوجه بعد ذلك إلى عائلته في بلدة لينة شمال السعودية التي كانت عائلته قد انتقلت إليها من المنطقة المحايدة بعد تعيين والده أميراً عليها، لوداعهم قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته العليا فيها. وصل الشهيل أمريكا في مايو 1959م؛ والتحق بجامعة كاليفورنيا التي نال منها درجة الماجستير في إدارة الاعمال عام 1961م.
في وزارة المواصلات
غادر فيصل الشهيل الولايات المتحدة الأمريكية بعد حصوله على الماجستير متوجهاً إلى الرياض؛ بنية الحصول على بعثة دراسية والعودة لمواصلة الدراسة ونيل درجة الدكتوراه. فالتقى في الرياض مصادفةً بمعالي الشيخ عبدالله السعد القبلان الحارثي وزير المواصلات حينها، الذي عرض على الشهيل العمل مديراً عاماً للمصلحة العامة للموانئ والمنائر بوزارة المواصلات بعد أن انتقلت مسؤولية الموانئ من خفر السواحل إليها.
وذلك لمدة ستة أشهر فقط ثم تبتعثه الوزارة لإكمال دراسته فوافق الشهيل على ذلك؛ ولكن قرار تعيينه صدر بعد مغادرة الشيخ عبدالله السعد وزارة المواصلات وتعيين معالي الأستاذ محمد مرشد الزغبي وزيراً لها، وهو الذي طلب من الشهيل الانتظار بعد أن أخبره بما كان بينه وبين سابقه، لكن الأستاذ الزغبي غادر أيضاً الوزارة بعد فترة قصيرة وحل مكانه معالي الأديب محمد عمر توفيق. فقرر الشهيل الاستقالة؛ لكن الملك فيصل رفض طلب الاستقالة الذي تقدم به الشهيل وكتب عليه «يبقى في محله». بدأ الشهيل بتأسيس المصلحة الناشئة والتي كان هو أول مدير لها؛ فاستعان بخبراء من مصر وبريطانيا واليونان متعددي التخصصات في القانون البحري والموانئ وأعماق البحار وغيرها، وقد كانت الموانئ السعودية قبل ذلك لا تتبع لجهة واحدة، فميناء الدمام مثلاً كان يتبع لسكة الحديد وميناء جدة كان يُدار من قبل شركة عائلة رضا وعدد من الموانئ الأخرى تديرها خفر السواحل. ثم دمجت بعد ذلك الموانئ والطرق فأصبح فيصل الشهيل وكيل وزارة مساعد للموانئ والطرق بوزارة المواصلات ثم وكيل وزارة لاحقاً، ولشهيل دور فعال في مشروع إنشاء الطريق الإسفلتي بين الشارقة ورأس الخيمة مروراً بعجمان وأم القوين والذي كان قد أمر به الملك فيصل، وأفتتح عام 1966م. أيضاً كان فيصل الشهيل خلال سنوات عمله الأولى في وزارة المواصلات، يعمل إلى جانب عمله الرسمي محاضراً متعاوناً في كلية التجارة بجامعة الملك سعود مع غيره من المسؤولين آنذاك من حمله الشهادات العليا، من أمثال معالي الشيخ أحمد زكي يماني ومعالي الشيخ صالح الحصيّن ومعالي الشيخ حسن المشاري الحسين... وغيرهم.
في الصحافة
في عام 1964م صدر نظام المؤسسات الصحفية؛ القاضي بتحويل الصحافة السعودية من صحافة أفراد إلى صحافة مؤسسات.
فصار نصيب المنطقة الوسطى من تلك المؤسسات الصحفية، مؤسسات «اليمامة» و»الجزيرة» و»الدعوة». وكان الشيخ عبدالله بن خميس الذي كان يعمل حينها وكيلاً لوزارة المواصلات، مالكاً لامتياز مجلة الجزيرة التي كانت تصدر شهرياً، ونظراً لصدور النظام الأنف ذكره، انتقى الشيخ ابن خميس مجموعة من الأعيان والمثقفين والأدباء ليؤسسوا سوياً مؤسسة الجزيرة الصحفية، فكان فيصل الشهيل من بين تلك المجموعة التي انتقاها ابن خميس لتأسيس الجزيرة ولعلهُ كان أصغرها سناً. وبعد اجتماع المؤسسين في منزل الشيخ ابن خميس - الذي كان يقع في شارع جرير بحي الملز - ، أُنتخب الشهيل من قبلهم نائباً للمدير العام للمؤسسة ثم ما لبث أن تولى بعد استقالة الشيخ عبدالله بن خميس من الإدارة العامة والأستاذ عبدالعزيز السويلم من رئاسة التحرير مسؤولية الإدارة والتحرير. وخلال سنوات فيصل الشهيل في الجزيرة، كُلف من قبل مجلس إدارة المؤسسة بتهيئة الجزيرة لتكون صحيفة يومية الصدور، وفي فترة إدارته للمؤسسة قام بشراء مطابع خاصة بها بدلاً من مطابع الرياض المعروفة بـ «مطابع المرقب» والتي كانت صحف المنطقة الوسطى تُطبع فيها، ايضاً قام بشراء أرض في حي الناصرية - مقابلة حالياً لمبنى الأمن العام - وبناء مقر لمؤسسة الجزيرة الصحفية عليها.
وبعد انتقال فيصل الشهيل إلى المنطقة الشرقية طلب منه معالي الدكتور محمد عبده يماني وزير الأعلام آنذاك؛ أن ينضم مع عدد من الشخصيات إلى عضوية مجلس إدارة صحيفة اليوم، ليتولى بعد ذلك الإشراف عليها، وخلال تلك الفترة استعان الشهيل بالأستاذ عثمان العمير حيث اقنعهُ بالقدوم إلى المنطقة الشرقية والعمل في صحيفة اليوم. ثم بعد تقاعد الشهيل من العمل الحكومي، قام بتأسيس جريدة الرياضي عام 1996م استجابةً لعده اقتراحات وردته من مجموعة من أصدقائه، وخلال سنوات الرياضي تمكن الشهيل من إبقاء الجريدة محايدة رغم هلاليته، كما أنه كان أحد مؤسسي مؤسسة عسير لصحافة والنشر (جريدة الوطن).
إلى سكك الحديد
بعد أن أسس فيصل الشهيل مصلحة الموانئ والمنائر؛ ودع وزارة المواصلات منتقلاً إلى المؤسسة العامة لسكك الحديد للعمل رئيساً لها خلفاً لسابقهِ معالي الدكتور غازي القصيبي الذي عُين وزيراً لصناعة والكهرباء، وذلك عام 1975م.
ولم يكن الشهيل راغباً في بداية الأمر بتولي رئاسة سكك الحديد والانتقال إلى المنطقة الشرقية، وهو الأمر الذي تغير فور استلامه عمله، حيث وجدها كما قال هو عنها «مؤسسة قائمة على أسس سليمة ومتميزة بكفاءة منسوبيها العالية». وخلال فترة رئاسته لها والتي كانت قد امتدت إلى عشرين سنة، قام الشهيل أثنائها بنقل المؤسسة العامة لسكك الحديد نقلة نوعية، حيث قام بتقصير مدة الرحلة من المنطقة الشرقية إلى الرياض وذلك عن طريق اختصار خط سير قطار الركاب، فبعد أن كان يمر حرض والخرج في طريقه إلى الرياض أصبح ينطلق مباشرة من الهفوف إليه، كما قام بتأسيس ميناء بري للبضائع في الرياض وإنشاء ثلاث محطات للقطار على الطراز الشرقي، أيضاً كان فيصل الشهيل قد قام بجلب أول ثلاث قطارات صُنعت خصيصاً للمملكة العربية السعودية في سويسرا وفرنسا والمانيا لتوائم تنوع تضاريسها. كما أنه كان قد قام بعد توليه رئاسة المؤسسة العامة لسكك الحديد بتأجير الأراضي المملوكة للمؤسسة، والتي كان قد قدرها هو بـ 11 مليار كقيمة وذلك بناء على اقتراح سابقه الدكتور غازي القصيبي عليه. ومما يُذكر لشهيل أيضاً فكرته باقتطاع جزء من أراضي سكك الحديد وتوزيعها منحاً على منسوبي المؤسسة ممن بلغت سنوات عملهم فيها خمسة عشر سنة متواصلة فأكثر. كما أن المؤسسة العامة لسكك الحديد في فترته كانت تنوي التوسع إلى المنطقة الغربية والمنطقة الشمالية لولا ظروف حالت دون تحقيق التوسع آنذاك.
في الرياضة أيضاً
كان دخول الشهيل إلى عالم الرياضة مبكراً نسبياً؛ حيث حضر بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية والتحاقه بوزارة المواصلات مباراة بين الهلال والوحدة عام 1382ه، برفقه زميله في العمل معالي الأستاذ حسين منصوري، بناء على دعوة وجهت لهما بصفتهما مدراء في وزارة المواصلات.
و كان معالي الأستاذ حسين منصوري يشجع النادي الأحمر والأبيض وهو الوحدة فمازحه الشهيل بأنه سيشجع النادي الأزرق والأبيض وهو الهلال. ويروي الشهيل أن الأستاذ تركي السديري التقط هذه الممازحة التي جرت بينه وبين منصوري، ونشرها في صحيفة الرياض بعنوان «فيصل الشهيل هلالي»، فابتدأت منذ ذلك الحين علاقة الشهيل بالهلال. حيث أصبح إدارياً فيه ثم رئيساً له بعد أن طلب منه الأمير خالد الفيصل الذي كان حينها مديراً لرعاية الشباب - وزارة الرياضة حالياً - أن يتولى رئاسة نادي الهلال. فتولى فيصل الشهيل رئاسة الهلال ما بين عامي 1388ه و1391ه ثم أصبح فيما بعد نائب لرئيس في عده دورات. وخلال السنوات التي قضاها الشهيل في الهلال والتي كانت حاويةً لعدد من الأحداث، منها إلقائه لمحاضرة في مقر نادي الهلال في شقة بحي الظهيرة أحد الأحياء التي كانت تشكل الرياض القديمة، وبحضور عدد من كبار الموظفين والادباء كالشيخ عبدالله بن خميس ومعالي الأستاذ هشام ناظر وأيضاً العديد من مشجعي الهلال، وفي أثناء تلك المحاضرة أو بعد انتهائها سأل أحد الحضور الشهيل عن موقع سفينة نوح اليوم، ولم يكن لدى الشهيل إجابة حاضره لحظتها فقال له «لا يفتى ومالك في المدينة» الشيخ عبدالله بن خميس موجود ولعله يفيدك أكثر مني، وبالفعل أجاب الشيخ ابن خميس على السائل بإطناب وتحدث عن سفينة نوح من الناحية الدينية ومن الناحية التاريخية حتى صارت كأنها محاضرة أخرى منفصلة عن التي ألقاها الشهيل. وتمكن الشهيل أثناء رئاسته لنادي الهلال من نقل مقره من شقة في حي الظهيرة إلى فيلا بحي الفاخرية بالقرب من حي الناصرية قام باستئجارها بعد مساعدة مادية من الأمير طلال بن عبدالعزيز الرئيس الفخري لنادي، أيضاً قام الشهيل بتجهيز المقرر الجديد حيث أنشئ فيه ملعب كرة يد ودار لسينما.
وخلال سنوات رئاسة الشهيل؛ حقق الهلال بطولة في كرة السلة وكرة اليد وسجل عدداً من الألعاب الرياضية الجديدة. ومما يتذكره الشهيل عن سنواته في الهلال؛ انتقال لاعب نادي الوحدة نور موسى إلى الهلال وكان قد تم التفاهُم معه في مكة، وكان الهلاليون يخشون من أن تقدم أندية الرياض الأخرى عروض للاعب نور موسى تجعله يغير من رأيه. فقرروا أن يبيت أول ليلة بعد وصوله ليلاً إلى الرياض في منزل فيصل الشهيل الذي كان يقع في حي السليمانية المجاور لمطار الرياض القديم - مكان مشروع حديقة الملك سلمان حالياً - ثم الذهاب به صباحاً إلى رعاية الشباب لتسجيله. ولم ينقطع الشهيل عن الأندية الرياضة بعد انتقاله إلى المنطقة الشرقية، حيثُ ترأس نادي النهضة بالدمام مع استمرار علاقته بالهلال، كما تولى عدداً من المهام الرياضية منها أنه كان نائباً لرئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ونائباً لرئيس الاتحاد السعودي للمبارزة.
أم فيصل
ولابد لنا قبل أن تُختم هذه السطور من أن نعرج على سيرة والدة الشهيل؛ السيدة الوجيهة فوزية بنت محمد بن الرحيل الفقيّر المعروفة بـ»أم فيصل».
التي تزوجها الشيخ محمد الشهيل أثناء إمارته على تبوك كما مر معنا؛ وهي المنتمية إلى عشيرة الفقرا من قبيلة عنزة الوائلية، العشيرة المتوزعة مساكنها ما بين مدائن صالح وتيماء. وقد كانت السيدة فوزية الفقيّر وجيهةً حاضرةً اجتماعياً في كل منطقة حلت بها بصحبة زوجها اثناء تنقله في عدد المناطق أميراً عليها، كما أنها ابنة رؤساء عشيرتها، وأخوالها من آل رمان حكام بلدة تيماء السابقين. ويُذكر لسيدة فوزية العديد من المشاركات الاجتماعية البارزة؛ منها مشاركاتها في فض النزاعات القبلية ونجاحها في ذلك، وقيامها بتأسيس معمل في المنطقة المحايدة قاصدةً به تأهيل وتشغيل نساء المنطقة المحايدة في صناعة المنسوجات التي تؤخذ موادها مما تنتجه المنطقة، فكان المعمل منتجاً للبسط والسجاد والسدو وقرب الماء وغير ذلك من المنسوجات، وقد تميز إنتاج هذا المعمل بالجودة ودقة الصنع وجمال الزخرفة مما جعل التجار الموسمين يرغبون بكميات من إنتاجه لبيعها في المدن داخل السعودية وخارجها. أيضاً كانت السيدة فوزية الفقيّر فارسة ماهرة ذات دراية بمعرفة الخيول وأصولها ومتمكنةً من ترويضها وعسف وتطويع العصي منها، فقد أقام الأمير عبدالعزيز بن مساعد في حائل مسابقة لمن يستطيع ركوب مهرة جموح أعيت كل من حاول عسفها من أمهر الخيالة، إلا أن السيدة فوزية تمكنت من تطويعها وترويضها ثم امتطتها منطلقةً بها بسرعة مستغرقة قرابة الساعة. كما أن السيدة فوزية كانت قد تميزت بعديد من الخصال؛ فيقول ابنها الأديب عبدالله عنها: «وقد اشتهرت بذوقها الرفيع وحدة ذكائها وجرأتها وكرمها وقوة شخصيتها وذاكرتها... حريصة على فعل الخير وصلة الرحم ومساعدة من يطلب مساعدتها حتى لو لم تعرفه بقدر ما تستطيعه وكانت تملك قدرة على الاستقطاب والتمييز».
ثم لما تقدم بها السن واستقر أبناؤها في الرياض، وزعت السيدة فوزية إقامتها بين الرياض حيث أبنائها وجدة لتكون قريبة من بيت الله الحرام لمدة شهرين أو ثلاثة في السنة لتؤدي معظم صلوات الجمع فيه.
وتوفيت السيدة فوزية الفقيّر يوم الثلاثاء 5 ربيع ثاني 1427هـ - 3 مايو (أيار) 2006م، وكانت وفاتها في الرياض بعد رحلة قاربت القرن. ورثتها أ. د. هند بنت ماجد بن خثيلة في مقال نُشر في صحيفة الجزيرة، كان مما جاء فيه «... لقد كانت تفزع إلى كل من يلجأ إليها ملهوفاً، وكم مدت يد عزيمتها لتحرير النفوس من حولها من ضغائنها، كل ذلك وغيره لم يشغلها عن أن تكون الأم المربية المراقبة المؤثرة في تفاصيل حياة أبنائها وأحفادها وأبناء أسرتها، بل إنها كادت تكون المرجع الأول لكل هؤلاء عند أي موقف أو محطة في مفردات حياتهم.كانت كريمة في يدها.. بشوشة في وجهها، تتقن استقبال قاصديها مثلما تتقن وداعهم وتضفي في كل الحالات جواً من الحشمة والكرامة في مجلسها، وحتى لحظة نزاعها كانت تلهج بالدعاء والذكر وتصبر على ألا تخسر أحداً ممن حولها. هكذا كانت فوزية الفقير (أم فيصل) - يرحمها الله - قبل أن ترتد أمانة كاملة إلى بارئها عز وجل الأربعاء الماضي، دون أن تفقد ذاكرة أو حساً، ومن غير أن تقعد عن واجباتها الاجتماعية والأسرية حتى اللحظة الأخيرة...».
العائلة والوفاة
وفي أواخر عام 1995م غادر فيصل الشهيل العمل الحكومي بعد أن قضى فيه ثلاثين عاماً ونيفاً، ملقياً عصى الترحال في المنطقة الشرقية التي اختارها مكان للاستقرار والإقامة بعد رحلة طويلة من التنقل، متخذاً استراحته المسماة بـ«المستريحة» المجاورة لمنزله في مدينة الدمام مكان لاستقبال زواره من الأقارب أو من الأصدقاء الذين كانوا يقصدونه من مختلف الأماكن. علاوة على زيارات سنوية كان يقوم بها إلى منطقة الحدود الشمالية وإلى محافظة المزاحمية، وفاءاً لذكرياته في الأولى وصلة لرحمه في الثانية.
قبل أن يتوفى في يوم الخميس 8 شوال 1442هـ - 20 مايو (أيار) 2021م بمدينة الدمام عن عمر قارب التسعين عاماً. وكان قد تزوج من الأستاذة الأديبة الناقدة أسيمة درويش بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية في بيروت والتي رافقته في رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته، وتوفيت قبله بأعوام قليلة وهي صاحبةُ عدد من الأعمال الأدبية المنشورة.
وكانا قد أنجبا منصور ومعتز - رحمهما الله - اللذين سبقا والدهما أيضاً إلى الدار الآخرة، وريما والأميرة منى - حفظهن الله -.
تم بحمد الله..
**
ابن صالح - عبدالعزيز بن صالح الدغيثر
@asasd004