اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
من المعروف أن الانتماء العربي في مفهومه الصحيح ومرجعيته الدينية الإسلامية يُشكِّل القلب النابض للأمة الإسلامية ومصدراً من مصادر حضارتها التي انتشر نورها وانكشف ظهورها في أرجاء المعمورة، داعية إلى الحق وناهية عن الباطل، وهادية إلى الخير ومحذرة عن الشر على النحو الذي يضبط حركة الانتماءات الثقافية والقومية والوطنية بما يخدم الانتماء الديني.
والإسلام جعل الأمة العربية ذات مكانة دينية وأتاح لها المجال ليكون لها قدم صدق في خدمة الرسالة المحمدية، كيف لا والعرب هم الممثّل للحضارة الإسلامية وعلى أرضهم هبط الوحي، وخاتم الأنبياء عربي الأصل والمكان والأماكن المقدسة في أرض العرب والقرآن عربي اللسان، وهو أمر يضاعف المسؤولية الدينية للأمة العربية ويؤكد شرفها القومي بالشكل الذي يحتم عليها المحافظة على هذا الشرف الانتمائي والموروث الإنساني لكي لا ينطبق عليها قول الشاعر:
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها
هواناً بها كانت على الناس أهونا
ولا شك أن مكانة العرب الدينية وقيمة انتمائهم القومي ارتبط بالدين الإسلامي الذي أقام لهم دولة وأسس لهم حضارة وجعلهم خير أمة بفضل انتمائهم الديني الذي يهديهم إلى الإيمان والعمل بمنهج القرآن واتباع ما شرع الله لهم من شرائع دينية، يترتب على الانقياد لها والمحافظة عليها ارتفاع شأنهم وعلو مكانهم والبعد عنها يؤدي إلى استباحة الحمى وخسارة الدين والدنيا.
والانتماء العربي ينطلق من منطلقات فكرية وثقافية تجعل اللغة العربية هي المرجع الجامع الذي يجمع المنتمين إلى هذا الانتماء والمحور الذي تتمحور حوله اهتماماته في إطار الانتماء الديني الجامع الذي يجمع الانتماءات والمانع الذي يمنع التجاوزات والانحرافات وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ليست العربية فيكم بأبٍ ولا أم، وإنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي). وهذا القول يقطع الشك باليقين بأن الانتماء القومي العربي يدور في فلك الانتماء الفكري والثقافي الذي يدعو إلى التمسك بالدين وتوحيد صف الأمة وجمع كلمتها تحت مظلة الانتماء الديني الذي هو خاتم الأديان ومظلة اللغة العربية التي نزل بها القرآن بعيداً عن المذهبية والأثنية والعنصرية والضياع في متاهات النحل والملل وما في حكمها.
وترتيباً على ذلك فإن الانتماء القومي العربي ليس مجرد دماً يجرى في العروق، ولا نسباً ينتسب العربي من خلاله إلى الجدود، بل هو عبارة عن مكونات ثقافية تعتبر اللغة العربية والثقافة الدينية من أهم العوامل المحركة لها نظراً لأن الانتماء الديني زرع في هذا الانتماء روح الإيجابية ورفع من شأن الأمة العربية وجعلها ذات حضارة إسلامية رائدة وعلى الطريق الصحيح قائدة.
والانتماء العرقي يدور في فلك الانتماء الثقافي على هيئة انتماء قومي ينضوي تحت لواء الانتماء الديني الذي يمثّل الأصل والمرجعية للانتماءات الأخرى، كما أن الدولة القُطرية والانتماء الوطني يتعيّن إن يعزّز ذلك الانتماء القومي العربي في مفهومه الشامل دون أن يكون على حسابه أو يتعارض معه.
والانتماء القومي العربي لا يلغي الانتماء الوطني القُطري، بل يدعمه ويضيف له عمقاً ويجعله أكثر شمولية وحيوية، جامعاً بين الجانب العرقي والثقافي بصورة تخدم الانتماء الديني وتحافظ على نسيج الأمة وتزيدها حيوية وإيجابية للتخلص من السلبيات وتحقيق الغايات المصيرية ذات السمة الانتمائية والهوية العربية.
وضعف الانتماء الديني يؤدي إلى ضعف الانتماءات الأخرى وانكسارها وانحرافها عن مسارها، كما هو حاصل بالنسبة للأمة العربية التي تكاد تفقد هويتها بسبب تمزق قوميتها العربية وانحراف بوصلتها الانتمائية والابتعاد عن مرجعيتها الدينية إلى الحد الذي فسح المجال للأعداء بالتطاول على الأمة ومحاولة النيل من حضارتها والتقليل من قيمتها عن طريق الطعن في قوميتها والتشكيك في تراثها التليد وتاريخها الحضاري المجيد.
والأمة العربية نتيجة لتنافر دولها وتناحرها وتخلّيها عن انتماءاتها الدينية والقومية والوطنية تركت الطريق مفتوحاً أمام الأعداء الذين يتربصون بها الدوائر ويتحينون الفرص لتمزيق الانتماء القومي العربي وإعادة تقسيم الأمة العربية واستبدال دولها الحالية بكيانات خاملة ودويلات فاشلة لا تستطيع الدفاع عن الأرض ولا تحمي العرض كما هو الحال في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان.
ورغم ما يعانيه العرب اليوم من الفرقة والتشرذم والمذهبية البغيضة والممارسات الفكرية المريضة فإن الفكر القومي العربي المنبثق عن الدين ما كان في يوم من الأيام فكراً عنصرياً ولا مذهبياً، وإنما هو فكر ديني إنساني يدل على ما تتميز به الأمة العربية من سمو الروح وسلامة السلوك واستقامة المسلك مع احترام العلاقات الإنسانية والقيم الاجتماعية بعيداً عن الطائفية المبغوضة والعصبية المرفوضة.