علي الخزيم
هي أرقام مدونة بالهاتف المحمول أو بالمذكرات المتنوعة، نتفقدها بين فينة وأخرى، فكلما طويت مدة زمنية تجد أن أرقاما هاتفية لبعض الأقارب أو زملاء العمل أو الأصدقاء من الممكن طيها ومحوها من هاتفك أو مذكراتك لأنها لم تعد ذات فائدة للاتصال بصاحبها الذي مضى إلى مثواه الأخير بالوفاة، فكم عزيز غادرنا ويعز علينا محو رقم هاتفه من أجهزتنا؛ لكنها لا تغني من الأمر شيئا!
* الوفاء للأهل وللأصحاب والأصدقاء الطيبين ممن تركوا لنا بصمات واثقة بمواقف ثابتة ونيات ناصعة من صدق الإخاء والعلاقات الطاهرة النقية: هو من شيم الأوفياء ممن يثمنون معاني الرفقة والصحبة الصادقة التي تنبذ الاستغلال وحب الذات؛ وانتهاز مبادرات التعاون والشفافية معهم لمصالحهم الشخصية، فمثل هؤلاء الأوفياء يصعب تناسيهم أو الغفلة عن ذكراهم العطرة، وليس الرقم الهاتفي هو ما يحدد هذا المعنى تجاههم، بل ربما كان حذفه عند البعض مما يخفف من أسى الفراق.
* ومن طريف الحديث بهذا المعنى مع أحدهم قوله: إني لا أحذف أرقام أناس تجنوا عليَّ بالغدر والخيانة واستغلال الطيبة والشفافية معهم، ونالني منهم أذى بجوانب متعددة؛ لا سيما أولئك الذين تعاملت معهم كأخوة فوق الأصدقاء، وكنت أحسن الظن كلما بدرت منهم معاملة غير لائقة وأتجاوزها حفظا لأواصر المودة بيننا، ومع تكرار الحالات استحضرت ما سبق منها فتيقنت أنه الغدر والخيانة وسوء الأخلاق المغلفة بالتملق والنفاق، وأضاف: لا أحذف أرقامهم لأدعو عليهم كلما مررت بها!
* اعتياد بعض السيئين ممن تربطك بهم علاقة (من أي درجة كانت) على استغلال العلاقات الشخصية لمصالحهم الذاتية ليس نهاية العيوب؛ بل إن ما يصمهم بالدونية وانحطاط القيم قدراتهم على الاستمرار بهذا النهج مع الكل وبإصرار عجيب وكأنهم في حلبة سباق بأيهم أكثر لؤما ووقاحة وأنانية، ومنهم من يرى أن هذا السلوك لا يعد مشينا بقدر ما هو صنف من الذكاء الذي لا يجيده الكثيرون؛ وبأنه من القلة المحسوبة بهذا التصنيف؛ فبئس السلوك وبئس القلة!
* وجوه مثل أولئك الأوغاد لا يؤثر بها نقد ولا نصح ولا مواقف محرجة لهم؛ فكيف يحرج من لا خلاق له؟! وكيف يخجل من يرى أنه الأذكى بين القوم، وكيف يفهم النصيحة من يجد بنفسه المريضة أنه الكامل بعقله وشخصيته وأنه يجب أن يكون القدوة؟ وحين تنبذه وتقصيه جماعته أو أسرته أو زملاؤه تجده لا يكل ولا يمل من التنقل بين مجموعات بديلة ليمارس (هياطه) وحماقاته ونذالته إلى أن يتم كشفه؛ وهكذا، ألا قبحها الله من سيرة.
* وبحسب آراء أهل العلم والمعرفة المتخصصين بالسلوك الإنساني؛ فإن ما تمثلت بهم من الأشقياء الانتهازيين بسلوكهم وخروجهم عن السراط المستقيم بحياتهم يموتون بكل مدة من أعمارهم ـ رغم تصنعهم الكاذب ـ فكلما اتضح لهم أمر أو انكشفت منهم مكيدة يتغشاهم الكمد والغم لعدم اكتسابهم المروءة بين الناس، ولأن الحديث هنا عن نهايات الإنسان ـ طيبهم وخبيثهم ـ فقد يناسب الاستشهاد بقول إيليا أبي ماضي:
(إن الحياة قصيدة أبياتها
أعمارنا والموت فيها قافية)!