م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- إذا كنت قارئاً أو غير قارئ فأنت حتماً سمعت بشخصية روائية أصبحت عَلَماً وشاع صيتها.. حتى لم يعد العامة يدرون أهي شخصية خيالية أم شخصية حقيقية! وإذا كنت تعرف أنها روائية فأنت ربما لا تذكر الرواية ولا تذكر كاتبها لكنك لا زلت تذكر تلك الشخصية.
2- بعض تلك الشخصيات أصبحت جزءاً من حياتنا الشخصية نتمثل بها ونحياها.. لأنها تستمد وجودها من الواقع اليومي المعاش.. لقد تحولت إلى إرث إنساني وأيقونات عالمية لا تخص مجتمعاً بعينه، بل الإنسانية كلها بذاكرتها الجمعية.
3- يقول (إرنست همينغواي): «يجب على الكاتب الروائي أن يخلق الشخصية المحورية في الرواية وليس شخصيات الرواية».. فالشخصيات ليست سوى عناصر مساندة في البناء الروائي.. أما الشخصية المحورية فهي الحياة للرواية.. ويقصد هذا الروائي العظيم بالشخصية المحورية مثل: شرلوك هولمز، وأرسين لوبين، وعلاء الدين، وعلي بابا، وزوربا، ودن كيخوت، وروبن هود.. وغيرهم.
4- يرى (ستيفن كنج) أن شخصية الرواية هي نوع من التخاطر بين القارئ والشخصية.. يتم فيها استبعاد كاتب الرواية تماماً من المشهد.. فتغدو الشخصية وسيلة للتقمّص والاستشهاد ومقارنة المشاعر وضرب الأمثلة.. ميزة الشخصية في الرواية أنها تخترق الأزمنة والأمكنة وتصبح حقاً مشاعاً للبشر يفهمونها ويقيسون حالات عيشهم من خلالها.
5- الشخصية تحول الرواية من قصة متخيلة إلى سيرة ذاتية لتلك الشخصية.. يتعصب لها القارئ ويدافع عنها ويخاف عليها.. لأنه يحبها ولا يريد أن يسمع أو يقرأ أي شيء يسيء إليها.. لأنه يتخيل أنه مكانها فيتقمّص ويعيش دورها هو شخصياً.. فيفرح لفرحها ويتألم لألمها ويبكي لحزنها.. فشخصية الرواية سواء كانت خارقة (كسوبر مان) أو بشرية (كعلي بابا) هي بمثابة بوابة للنفس البشرية للدخول إلى عوالم جديدة واستكشاف مشاعر وأفكار جديدة.
6- يقول (أورهان باموق) إن القراء يواصلون القراءة لمعرفة ما حصل لأبطال الرواية أكثر من مجرد استمتاعهم بالوصف والصياغات عالية الجودة.. من هنا تكمن أهمية معقولية الحدث في الرواية.. فلا يمكن إقناع القارئ بنص غير معقول.. أيضاً كلما كانت الشخصية نابضة بالحياة ذات سمات محددة مألوفة لدى القارئ.. كلما كانت الرواية أقرب إلى التصديق وبالتالي القبول والتعايش والتفاعل مع أبطالها وأحداثها.
7- «القراءة سفر» كما يقولون.. وفي السفر لا بد من رفيق.. وشخصية الرواية هي رفيق السفر في الرواية.. فهي التي تحيل السفر إلى نشاط مشوق أو مضن أو ممل.. وهي التي تأخذ بيد القارئ وتلفت نظره إلى التفاصيل والأحداث وإلى بقية الشخصيات في الرواية.. وتحدد مدى قربك أو بعدك عنها.
8- شخصية الرواية هي التي تقودك في المكان.. وتعطيك الجرأة على اقتحام غرفه وزواياه وتعرفك به.. هي التي تحدد لك الأوقات وتكشف لك الرموز والاستعارات والغموض الذي قد يكتنف الرواية.. فعلاقة القارئ بشخصية الرواية علاقة محورية.. فالقارئ لا يمكن أن يجوس خلال كتاب من أربعمائة صفحة دون دليل.. وبطل الرواية أو شخصيتها هو الدليل المرشد للقارئ.. وهنا تكمن أهميته.
9- حاول بعض كبار الكتَّاب التقليل من أهمية الشخصية في الرواية مقابل أهمية الوصف.. إلا أنها في غاية الأهمية رغم ذلك.. فمن خلالها يمكن للقارئ تتبع مسار الرواية.. ونجاح بعض السير الذاتية لدى القراء كان مبنياً على تتبع مسار الشخصية في الرواية، حيث الشخصية في كل عمل وليس الكتابة فقط هي مناط الاهتمام.. وقد مَثَّل (غوتشل) أهمية الشخصية المحورية في مجال المصارعة الحرة.. فقد وجد منظمو المصارعة أن اهتمام الحضور لا يتحقق إلا بوجود شخصية تمثل الخلفية الشيقة التي تثير الحماس وتحفز الجمهور على الحضور أكثر من المصارعة ذاتها.. فهناك شخصية المصارع الطيب والشرير والمنحرف والمخادع التي يتفاعل معها الجمهور ويحب بعضها ويكره بعضها الآخر.. مما يدفعه للحضور.
10- الشخصية مصير في عالم الواقع والعالم الافتراضي على حد سواء.