حسن اليمني
يقول بنيامين نتنياهو: إما إسرائيل أو وحوش حماس، بمعنى فسره في قول آخر بأن إسرائيل في حرب وجودية مع حماس (نكون أو لا نكون) وبصرف النظر عن التفسير السطحي الأولي لمثل هذه التصاريح واعتبارها شعارات وفتل عضلات لتبرير موقفه السياسي إلا أنها تبقى في عمقها ترجمة لا إرادية لما يدور فعلا في عقول الكثيرين.
لقد كتبت في أكثر من مقال قبل سنوات وبعد حرب عام 2009م أوضحت رأيي بأن الصراع بين الاحتلال ومقاومته تتجه للحسم في يوم قريب، وحين أقول يوما قريبا فلا أعني أياما أو أسابيع وإنما منظور زمني بين الأجل القريب والمتوسط، ثم زدت قناعة واقتناعا بإيمان ويقين بأن زوال الكيان المحتل عن فلسطين صار أمراً حتمياً والأمر ليس إلا في متى؟
هذه الـ «متى» حين تحل محل الـ «كيف» فإنها تعني نهاية واقع الوجود وبداية واقع آخر مختلف، كررت في أكثر من مقال واستشهدت بتقارير من مراكز أبحاث في الكيان الصهيوني وحتى الولايات المتحدة الأمريكية تتحدث جميعها عن قرب نهاية وجود الكيان المحتل في فلسطين، كما أشرت أكثر من مرة لقراءات بعض علماء التفسير لآيات القرآن الكريم وخاصة في الحساب العددي للكلمات والآيات والتي يكون تفسيرها الحقيقي في علم الغيب إلا أن لمدلولات التفاسير وقرب صورها من الواقع تجعل لها أهمية متى تقابلت مع أحداث مشهودة، والحق أن ظهور قوة في الداخل الفلسطيني تواجه قوات الاحتلال وتصادمه أياما وأسابيع وأشهرا دون أن تنتهي النتيجة بنصر أو هزيمة إنما يعني تقارب في الإيذاء والإنهاك بين الاحتلال ومقاومته، وحين يصل الأمر إلى ذلك فمن الطبيعي أن ينتهي ذلك -في يوم ما- إلى حسم سواء من ذات الطرفين أو من عوامل وتدخل خارجي يؤثر في ميزان القوة بين الطرفين المقاومة والاحتلال ليصل إلى حسم وساعة نهاية للصراع بنصر لطرف وهزيمة للآخر، وهذا ليس فيه شيء من عبث التمني والخيال لأنه -ببساطة شديدة- فعل حقيقي متتال ومتصاعد نشهده ونتابع تفاصيله، وفي اقله الظاهر للعيان وأما ادراكه بالبصيرة والعقل فلا يمكن الجزم بصحته ما لم يتسع وينتشر للمتابعين أصدقاء وأعداء، أما وقد ظهرت التقارير البحثية في مراكز البحث والدراسات الإستراتيجية سواء في الكيان أو أمريكا فأيضاً ظهرت التفاسير العلمية والدينية لعلماء ومفكرين عرب ومسلمين، والحصيلة من هنا وهناك اتفقت واجتمعت على نتيجة واحدة وهي زوال الكيان الصهيوني عن فلسطين انتهاء من كيف إلى متى ثم وصلنا أخيرا إلى تحديد تواريخ، حتى أن نتنياهو نفسه تحدث عن صعوبة وخطورة العمر الافتراضي للوجود الصهيوني كدولة، ولتوضيح ذلك أكثر فقد ظهرت لليهود دولتان لإسرائيل متقاربة في الوقت في فلسطين قبل الإسلام لم تعمرا أكثر من 76 عاما فقط وكلتاهما تم إسقاطهما من قبل بيزنطة ثم الروم (وللمعلومة لم تكونا دولتين بل واحدة ظهر فيها تنازع قسمها تحت حكمين) والوجود الحالي لما يسمى اليوم إسرائيل هو المرة الثانية على الأصح , وقد بلغت اليوم قرابة 76 عاماً والحلم الصهيوني اليوم ليس في ديمومة الوجود وإنما في الوصول إلى ثمانين عاما، هناك من يشكك في بلوغ ذلك وهناك من يأمل ويتمنى.
منطقياً فإن أصل ومنبت ما يسمى إسرائيل في أرض فلسطين اليوم تم من خلال الاستعمار البريطاني لكثير من بلاد العرب بعد تفكيك الإمبراطورية العثمانية ووثق ذلك بقرار من هيئة الأمم المتحدة أو عصبة الأمم ذلك التاريخ , وبين حقيقة الواقع والتاريخ التي تقول إن أرض فلسطين يسكنها شعب عربي مسلم ومسيحي وبعض اليهود قبل وبعد تحريرها من الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- وبين قرار سياسي بنى واقع عسكري قضى بإنشاء كيان للقوة الغربية في قلب الوطن العربي صار الصراع بين القوة وبين التاريخ، القوة ويمثلها الغرب الصهيوني ممثلا أولا ببريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية والتاريخ يمثل نفسه بالوجود الأصيل الطبيعي، واستمر الصراع منذ الاستعمار البريطاني وحتى اليوم متمثلا بقيام كيان لما سمي إسرائيل وإنكار تام لوجود شعب على هذه الأرض، وللتغلب على ذلك بدأت سياسة التهجير والإجلاء وفعلا تم تهجير الملايين وتجنيس مئات الآلاف من الفلسطينيين داخل الكيان وتبعا له، ومع هذا بقي الكثير على الأرض ممن لم يقبل التهجير ولا التجنيس فعاشوا السنين والعقود مهمشين غير معترف بوجودهم، قامت حركات مقاومة لإثبات الوجود والحضور وتم وصفها بالمنظمات الإرهابية حتى خضعت واستكانت للاحتلال وبقت جزء من منظومته الأمنية فخرجت حركات مقاومة أخرى رافضة الإقرار والاعتراف بالقرار السياسي للقوة الغربية بلسان عصبة الأمم أو هيئة الأمم المتحدة ومنادية بالعودة للحق التاريخي وتحرير كل الأرض وإلغاء قرار إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، استغل الكيان الصهيوني ذلك وسعى لضرب الخاضعين بالرافضين ونجحت في ذلك فعلا بشكل ما، ومن هنا صوبت المقاومة الرافضة للوجود الصهيوني على أرض فلسطين جهدها ضد هذا الوجود في تصاعد للقوة حتى وصلنا إلى حرب تمتد لأكثر من ثمانية أشهر لم يستطع طرف حسمها بنصر حاسم وظاهر والأكثر من ذلك أنها لا زالت مستمرة حتى اليوم.
وبالمناسبة فانه مفيد أن نتذكر أن حرب العاشر من رمضان للعام 1973م التي انطلقت بتدمير حصن «بارليف» واقتحام الجيش العربي المصري سيناء فنتج عن ذلك وضع سياسي في المنطقة مختلف تماما عمّا سبقه فأن ما جرى في اليوم السابع من شهر أكتوبر للعام 2023 م بعملية عسكرية مفاجئة للعالم كله متجاوزة ما عرف باختراق خط بارليف والذي حسب بمعجزة عسكرية ذلك الوقت لتجعله اليوم مثالا مبسط عما جري في السابع من أكتوبر الذي اقتحم واخترق دفاعات الكيان الصهيوني العسكرية والأمنية والتقنية والاستخبارية وقتل وأسر العشرات من عساكره وجنده بما يشبه إعلان نهاية الكيان المحتل.