خالد بن عبدالرحمن الذييب
عندما يتم الحديث عن التخطيط ومفاهيمه وعلاقته بالمدينة، يبدأ البعض بالحديث عن أهمية ملاحظة تسارع المدينة وضرورة الاطلاع على المفاهيم الجديدة للتخطيط الحضري لمواكبة هذا التسارع. وهذا في نظري خلط بين أمرين هما المفهوم من جهة، والممارسة العملية من جهة أخرى، فالمدينة تتسارع وهذا لا شك فيه وهذا جزء يخص الممارسة، أما المفهوم وهو يخص الجانب النظري فهو بطيء لا يتلاءم مع سرعة الممارسة. وهذا ليس تقليلاً من التخصص، ولكن محاولة لفهمه بشكل أعمق. فالمدينة ليست جهاز آيفون أو جالكسي تتغيّر كل سنة بتقنيات جديدة، وما يصلح قبل 5 سنوات «قد» لا يصلح الآن وبالتأكيد ما يصلح قبل 15 سنة لا يصلح اليوم، فجوال نوكيا «الرهيب»، و«الرهيب2»، وجوال «الدمعة» وغيرها من الأسماء القديمة تقنياتها غالباً لا تستخدم الآن. ولكن على مستوى المدينة فالأمر يختلف فاستخدام المفاهيم واستيعابها والتأكد من صلاحيتها للمدن يحتاج إلى وقت وفترة تصل إلى ربع قرن من الزمان وربما أكثر، وبعضها يستمر صالحاً لكل زمان ومكان، فمفهوم مثل الاستدامة والذي تم تأطيره في 20 آذار - مارس عام 1987م عن طريق مفوضية الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، لا أعتقد أنه سيأتي يوم ونقول إننا سنستغني عن الاستدامة، وأن ما تم كتابته عن الاستدامة قبل 25 سنة لا يصلح الآن! وعلى ذلك قس مفهوم أنسنة المدن، وصناعة المكان وغيرها، كلها مفاهيم مستقرة في التخطيط الحضري تم تأطيرها حديثاً، وهي مهمة للتعامل مع متغيرات المدينة، فالمدينة متغيرة والثابت هو المفهوم، فالتخطيط يتعامل مع المتغير من خلال الثابت، وعندما أقول «ثابت» فهو تعبير مجازي عن حركة المفاهيم البطيئة. الإبداع في التخطيط الحضري وإدارة المدن هو في كيفية توظيف هذه المفاهيم الثابتة، أو المتغيرة بشكل بطيء مع حركة المدينة السريعة نسبياً مقارنة بالمفاهيم.
فعندما نتحدث عن مدينة ما ونبحث عن مشاكلها ومن خلال جمع المعلومات يتبين أن أكثر ما تعاني منه هذه المدينة مثلاً هي إشكالية العشوائيات، ونقص المرافق، وسوء البنية التحتية، وهل المشكلة في موضوع الكثافات وزيادة ارتفاعات، أم سوء توزيع لها، أم في قلة توفر الفراغات المفتوحة، أم أنها متوفرة مع عدم سهولة الوصول إليها، أم ربما جميعها. هذه التساؤلات وغيرها تحتاج للتأكد من أساسها والتأكد من نتائجها وتحليلها واختيار الحل الأمثل لها، الإشكالية أنه أثناء دراستنا لهذه الإشكاليات وتحليلها للوصول إلى الأدوات والحلول المناسبة هي أن المدينة لا تقف ولا تنتظر، ولكنها تنطلق وتتسارع وتمضي في طريقها وتضيف مشاكل جديدة، فنضطر أن نبحث عن حلول وأدوات أخرى للمشاكل الجديدة، بسبب وقت أضعناه في مناقشة المشاكل القديمة ونصبح في سباق بين المفهوم وبين المدينة، المفاهيم بأدواتها تسير بحركة بطيئة جداً بينما المدينة تنطلق بسرعة أكبر من المفهوم.
أخيراً.. التعامل مع المدينة ليس بالأمر السهل، فهي مجموعة متناقضات وتداخلات منها خارجي، ومنها ما هو داخلي، ومنها ما يتعلق بالممارسة وتوافقها مع حركة المفهوم.
ما بعد أخيراً..
كلمة السر هي متى تستخدم المفهوم المناسب لكبح جماح المدينة؟