اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وفي هذا الزمن الذي يعج بالمحن والفتن فإن الانتماء القومي العربي في أسوأ حالاته لعدة أسباب أولها ضعف الانتماء الديني وانحراف بعض العرب عن عقيدة التوحيد، حيث إن الانتماء القومي العربي لن يقوم له قائمة إلا بوجود الانتماء الديني الصحيح الذي يصوب مساره ويضمن استقراره واستمراره، بوصف الدين الإسلامي هو الذي جمع شمل العرب وألف بين قلوبهم ورفع رايتهم وأقام دولتهم وشيد حضارتهم ومن أخلص أمره إلى الله وشكره أسبغ عليه نعمته وأبعد عنه نقمته، ومن جحد وكفر وكله إلى نفسه وسلط عليه آفة من جنسه.
ومن أسباب ضعف الانتماء القومي العربي تشتت العرب واستحكام خلافاتهم، فلا الجامعة جمعتهم ولا المخاطر المحدقة والأحداث المتلاحقة أيقظتهم، ولا مؤتمرات القمة أفادتهم، ومرد ذلك يعود إلى الخلافات المتراكمة والمشكلات المستحكمة والمنازعات غير المبررة ناهيك عن ممارسات مطايا الشيطان وخونة الأوطان في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين.
ورغم أن قيادة المملكة عملت ما بوسعها وبذلت جهوداً جهيدة لتصفير المشاكل وحل المعاضل وإصلاح الواقع المتآكل إلا أن غياب الإرادة ووجود دول بدون سيادة والتدخلات الخارجية، كل ذلك عرقل المجهود بسبب أسباب الحظ المنكود مع إصرار المملكة على رتق الفتق ومحاولة إحلال العتق محل الربق واستعادة السيادة المفقودة بالنسبة لبعض الدول، ومن ثم إصلاح الفساد الذي لحق بالأمة ونال من هويتها وقوميتها وموروثها التاريخي ولسان المقال وواقع الحال كما قال الشاعر:
أمامك فأنظر أي نهجيْك تنهجُ
طريقان شتى مستقيمٌ وأعوجُ
والجماعات المذهبية والمليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية المحسوبة على الأمة العربية هي أكثر الأسباب والعوامل التي أضعفت الانتماءات الدينية والقومية والوطنية للأمة، حيث إنها بقدر ما أساءت إلى الدين بقدر ما جعلت الانتماء القومي العربي في مهب الريح وانحدرت بالانتماء الوطني لدولها إلى الحضيض وجعلتها دولاً فاشلة بسبب خيانتها لأمتها وأوطانها وعمالتها للأعداء من أصحاب المشاريع الاستعمارية والقومية.
والدولة اليهودية ودولة إيران الفارسية والدولة التركية كل دولة من هذه الدول لها مشروع قومي وأهداف جوسياسية تلتقي تحت مظلة المشروع الأمريكي على حساب الأمة العربية التي تكالب عليها الأعداء من الخارج، متخذين من خونة الداخل مطايا يمتطونها لتقسيم العرب وتهميش دورهم وتجريدهم من قوميتهم العربية ومرجعيتهم السنية.
وهذه الفئات تحاول توظيف الدين واتخاذه ذريعة لتشريع ما يحدث من نزاع مع اختلاق المبررات المذهبية والطائفية الواهية التي أدت إلى تدخل القوى الأجنبية وتحول الوطن العربي إلى مسرح للتناحر والتنافر على نحو نجم عنه تصدع الأمة وضعف انتمائها القومي الوطني والنيل من ذاتها وهويتها لمصلحة أصحاب المشاريع الاستعمارية والقومية.
وقد استطاعت قوى الاستعمار أن تستبيح عقيدة الأمة واجتياح أراضيها عبر توطين اليهود في قلب الوطن العربي وفصل مشرقه عن مغربه واعتبار الكيان اليهودي قاعدة متقدمة تنطلق منها هذه القوى لتنفيذ مشاريعها الاستعمارية والسيطرة على المنطقة العربية تمهيداً لشرذمة دولها والقضاء على كياناتها الانتمائية ووجودها القومي.
وما يظهر في الأفق على ضوء الأحداث الجارية ينذر بما هو أدهى وأمر الأمر الذي يتطلب من الدول العربية أن تضطلع بالمسؤولية تجاه انتماءاتها الدينية والقومية والوطنية وتحسب حساب ما هو قادم مع الاستعداد له على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية آخذة في الحسبان أن الحزم سوء الظن وأن التجاور عبر البر والبحر يُعد مصدر عداوة، علاوة على الثأرات القومية والانحرافات المذهبية والدينية.
ومواجهة الخارج تحتاج إلى إصلاح الداخل والتعامل الحازم مع الفئات الضالة، حيث إن معضلة الانتماء القومي ومشكلة الانتماء الوطني تستدعي تحجيم الفئات المنحرفة والمتطرفة التي أدت إلى سلب الإرادة وفقدان السيادة بالنسبة للدول العربية المغلوبة على أمرها والمتخلفة عن عصرها والتي غلب عسرها يسرها.