د. محمد بن إبراهيم الملحم
قبل أكثر من خمسين سنة وعندما كنت في أعوام دراستي الابتدائية المبكرة لم يكن تجد يوم العيد محالا أو متاجر مفتوحة لتشتري منها احتياجاتك اليومية كالبقالة أو حتى المخبز، وذلك أن كل الناس دون استثناء يستمتعون بالعيد كإجازة حقيقية يجددون فيها نشاطهم فيتوقفوا فيه عن العمل لأنهم في الأغلب مشغولون بما يتطلبه العيد آنذاك من تزاور وتواصل أو حتى استمتاع بوقتهم، ولهذا السبب كان الناس يبادرون قبل العيد بشراء احتياجاتهم لثلاثة أيام على الأقل ليجدوا ما يأكلون أيام العيد خاصة أن الثلاجات لم تكن قد انتشرت آنذاك وكانت احتياجات المنزل تشترى بشكل شبه يومي تقريبا. وهذه الظاهرة أعطت ذلك العيد طعما مختلفا، ونكهة متفردة لا تجدها اليوم، حيث تستطيع التفريق بين يوم العيد عن غيره من الأيام، بينما في وقتنا الحالي يبادرنا دائما السؤال الحديدي: أين تذهب في العيد؟
لا شك أنه سؤال صعب، ليس لذاته وليس لتعذر العثور على إجابة في أصل السؤال، ولكن لأن تصرفاتنا الحياتية خلعت على هذا السؤال لباس الصعوبة حينما استنزفنا في حياتنا «اليومية» كل فرص المتعة تقريبا ولم نبق للعيد شيئا، فعاد هذا السؤال عسير الإجابة. وفي محاول للإجابة ربما نسلك طريقة «العودة للأصول» ومنهج «التفتيش في الأوراق القديمة»، فقد كانت الزيارات العائلية وزيارات الأصدقاء بما فيها من رحابة صدر ومجالس مفتوحة وزيارات صباحية ومسائية بل وسهرات ليلية هي أبرز ما يميز أعياد ذلك الزمن، كما كانت مجالات الاستمتاع المتاحة من عرضات أو ربما بعض العروض المسلية مجالا إضافيا لمن يستطيعون الذهاب لهذه الأماكن، كما كان للأطفال تقاليدهم وترتيباتهم الخاصة باختلاف أعمارهم فهناك مثلا «البسطة» والتي تظهر في العيد لتمثل مصدر متعة بممارسة التجارة المصغرة للفتى البائع ومصدر متعة في الشراء لبقية أولاد وبنات الحارة الذين يجدون في هذه البسطة شيئا مختلفا عما هو في البقالة سواء في مكونات البسطة أو في نكهتها كونها بين الأقران أنفسهم، هذا عدا بعض المغامرات التي تحصل من بعضهم لتكون البسطة محورا لأنشطتهم للتعارف أو حتى للتعارك، وكذلك وسيلة لجذب اهتمام فتيات الحارة الصغيرات، وعلى العموم كانت هناك في الحارة أنشطة متنوعة من التفاعلات والألعاب والتقاليد التي لا تظهر في الأغلب إلا في العيد.
الكبار يجدون في العيد أيضا فرصة لعمل رحلات خفيفة إلى المزارع، أو ما شبهها وتكوين جمعات عائلية أو جمعات أصدقاء والاستمتاع بوقتهم، خاصة أن الجميع يكدحون طوال أيام العمل ويتركون مساحة المتعة لهذه الفرصة الزمنية التي ينتظروها بشغف فيهتبلونها حال إطلالها. ولا شك أن العيد له رونقه الخاص لدى كل شخص بحسب طبيعة حياته ومستواه الاقتصادي، وكذلك بحسب طبيعته النفسية، ولكن على وجه العموم فإن العيد لم يكن مصدر قلق أو حيرة لدى أي أحد منهم، ولم تكن تتصور أن يطرح هذا السؤال: أين تذهب في العيد؟ وكل عام أنتم بخير.
**
- مدير عام تعليم سابقا