سهوب بغدادي
«فلان طيب، أنت اللي طيب، لا تصير طيب» قد تتساوى هذه العبارات مع معنى الضعف أو قلة الإدراك وغيرها من المعاني الموضوعة، لا المفهوم الأصيل للكلمة، فنعيب الزمان ومن فيه وعندما يتعثّر في سبيلنا ذلك الطيب نعمل على تغييره واستنكاره! فلمَ لا يكون مفهوم الطيبة إيجابياً حقًا، إن هناك نسبة وإن كانت ضئيلة تعكس المعنى المغاير للكلمة، وقد يكون السبب نابعاً من خطيئة بعض الأشخاص الذين قاموا بتغليف ضعفهم برداء الطيبة، إلى أن أضحت الأخيرة مبتذلة، مستنكرة، محتقرة، منفرة، تختلف الأوصاف والمعنى واحد، هل سبق أن رأيت شخصًا قويًا في أفعاله وحازمًا في تصرفاته إلا أنه طيب في ذات الوقت؟ إنه مزيج نادر الوجود، إلا أنه في حال وُجد فسيكون شخصًا استثنائيًا ورائعًا بحق، بل سيعطي مفهومًا آخر للطيبة، لطالما جسد لنا الخيال والواقع شخصية المتنمّر في مراحل عمرية مختلفة ابتداءً من الطالب والمعلم وصولاً إلى المدير وشريك الحياة والأهل، إذ يتعرض الإنسان لهم مرارًا وتكرارًا وفي بعض الأحيان يأتون في آن واحد، حيث يتعامل الأغلبية معهم إما بالتجاهل أو التبجيل مخافة التبعات غير المحمودة، كما تتصاحب إستراتيجيات التعامل معهم مع الإنكار ولوم الذات وجلدها، فعندما يأنف شخص من الاتسام بالطيبة فاعلم أن معناها ارتبط لديه بالسمات والصفات السلبية، ولم يرَ مثالاً حيًا للطيبة الحقة في حياته -الطيبة من موقع القوة لا الضعف- ونستند في هذا الأمر إلى مفهوم العفو عند المقدرة باعتبار أن العفو مع عدم القدرة مخالف لفضيلة العفو، فيتحتم أن تقع الطيبة في محلها وأهلها وأوانها، دون الجور على النفس والتعدي عليها وعلى الآخرين، على سبيل المثال لا الحصر الطيبة على حساب الأهل والزوجة والأطفال، فيما تختلف تعاريف وتفاسير الطيبة من شخص لآخر وتتفق في أمور منها حسن المعشر ولين الكلام وسماحة الأخلاق وقلة العتب والملام بعبارة أخرى الأنس والأمان ممزوجان ببعضها البعض في الشخص، في ختام الكلام، إن الطيبة لا تعني أن الطيبين سينهالون عليك مرة واحدة، أو أن الأشياء الطيبة والجميلة ستأتيك تباعًا، فالأمر يحتاج إلى الاستعانة بالله والثقة به مع الأخذ بالأسباب والحيطة، والأهم من ذلك أن تكون النية طيبة وخالصة للقدير، نرى أن الطيبة أصبحت عملة نادرة في زماننا إلا أنه حين العثور عليها فستتشبث بها بكل ما أوتيت من قوة.
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} (24) سورة الحج.