د.محمد سليم
في فيلم وثائقي عن طرق غير معبدة يستخدمها الناس في دولة الكونغو الشاسعة جلباً لمستلزمات الحياة الأساسية إلى قراهم النائية - والمشاهد ذاتها تتكرر في العديد من البلدان الفقيرة بالرغم من امتلاكها موارد طبيعية وفيرة- نرى رجلين ينضحان عرقاً تلمع حبيباته على وجهيهما في قيظ النهار، وهما يضعان حمولة تزن مائة وخمسين كيلو غراماً أو أكثر على دراجتهما الهوائية، ويجرانها وسط طريق غارقة في الوحول، تحفها أشجار كثيفة على جانبيها، ويسكنها قطّاع الطريق، ما يقدّم صورة قاتمة للحياة البائسة التي تعيشها مجموعات بشرية تقاسمنا العيش في هذا الكوكب غير أن عوادي الأيام غمرتهم في بحار من الفقر والبؤس والشقاء، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وجل ما في الأمر أن حظوظهم لم تحالفهم كي يظفروا بنصيب ضئيل من الموارد المالية التي ينفقها البعض من بني جنسهم في جزء آخر من المعمورة في اختراع وتصنيع وتخزين آلات الفتك والدمار يرونها تجلب السلام بدلاً من الحروب متناسين دورهم في محاربة الجوع والخوف.
ففي الجزء الآخر من الكرة الأرضية، وفي السابع عشر من شهر إبريل لعام 2024م، أعلنت أستراليا تخصيص ميزانية تصل 50 مليار دولار في المجال الدفاعي متذرعة بدعوى تحصين حدود بلادها وضمان أمنها وتعزيز ترسانتها الحربية لمجابهة التهديدات الأمنية التي تظنها قادمة من الصين وغيرها، وفي نفس الوقت بالذات تقريباً بثّ الإعلام العالمي نبأ تمرير البيت الأبيض 95 مليار دولار مخصصة لتقديم المساعدة العسكرية إلى أوكرانيا في حربها ضد روسيا إضافة إلى تقديم مساعدة عسكرية إلى كل من التايوان وإسرائيل، هذا، وتركز الدول في العديد من القارات على زيادة ميزانيتها المخصصة للمجال الدفاعي من أجل زيادة حجم ترسانتها الحربية ضد الأعداء الحقيقين أو المتخيلين، في سباق محموم يفضي إلى هدر الموارد المالية الباهظة، ما أحرى بها لو تم استخدامها في إطعام مئات الملايين من الأفواه الجائعة في العالم أجمع، وخاصة في دول عالم الجنوب التي تعاني أوجه الفقر والمجاعات والأمراض في ظل شح الموارد وغياب المراكز الصحية البسيطة والتفشي المرعب للجهل والأمية غير أن عالم الشمال مهووس بحكر الموارد وتجويع الملايين من البشر، بل وخلق فوضى خلاقة تتدخل بواسطتها في شؤون الدول الفقيرة بغية تحقيق أطماعها المتمثلة في استنزاف مواردها وكسب أرباح طائلة بواسطتها.
هذا، ويجري سباق التسلح على قدم وساق، فتنفق الدول مئات المليارات الدولارات سنوياً عليها، ما يصب في نهاية المطاف في جني شركات مصنعة للأسلحة أرباحاً باهظة، فطبقاً لتقرير نشرته أوكسفام لعام 2022م، فإن الشركات المصنعة للأسلحة والآلات الحربية ربحت إيرادات وصلت مليارات الدولارات، ووفقاً للتقرير السالف الذكر فقد «جمعت أكبر 100 شركة أسلحة ما يقرب من 600 مليار دولار من الإيرادات في عام 2022 فقط - وهو ما يكفي لتغطية النداء الإنساني العالمي للأمم المتحدة حوالي 13 مرة». وتأتي هذه الطفرة الهائلة في الإيرادات في وقت «تضاعف فيه عدد الأشخاص الذين هم على شفا المجاعة تقريباً منذ العام الماضي، وأغلبهم في غزة حيث يموت الأطفال بالفعل بسبب سوء التغذية والمرض نتيجة لسياسة الحكومة الإسرائيلية المتمثلة في استخدام المجاعة كسلاح حرب». ويبدو من غير المعقول أن يستمر الوضع على ما فيه من هيمنة السياسات المفضية إلى السباق المحموم للتسلح وهدر الموارد الغالية، وهو أمر يستدعي اتخاذ قرارات صعبة للحيلولة دون اتساع رقعة الحروب والظلم وتغليب أصوات العدل والسلام في العالم.
**
- باحث وأكاديمي هندي مقيم في نيودلهي