د. فهد بن أحمد النغيمش
يعد الاعتماد المدرسي ركيزة مهمة بل هو ركيزة أساسية لأي منظومة تعليمية في أي دولة من دول العالم أجمع، هذا إذا سلمنا بأن الاعتماد المدرسي ليس وليد اليوم بل هو معمول به في أكثر الدول المتقدمة، والتي تهتم بالعملية التعليمية، ويأتي من أشهر المنظمات المعتمدة عالمياً والتي لها باع كبير وخبرة طويلة في مجال الاعتماد المدرسي تربو على مئة سنة منظمة أدفانس إد (Advanc AD) الأمريكية، حيث تعتبر واحدة من أشهر المنظمات العالمية المانحة للاعتماد المدرسي وفق المنهج الأمريكي، والتي تمّكن المستفيد من إصدار وثائق وشهادات الاجتياز المتوافقة دولياً مع متطلبات التعليم العام والعالي الأمريكي. وتتمحور معايير منظمة أدفانس إد (Advanc AD) حول ضبط معيار عمليات التعلم واستراتيجيات التعليم ومعيار جودة الإدارة ووضوح الأهداف والتخطيط التربوي ومعيار جودة البيئة المدرسية والتجهيزات والخدمات المساندة ومعيار مستوى الرضى لدى الطلاب وأولياء الأمور والعاملين بالمنظمة التربوية ومعيار تقنيات التعليم والتواصل الاجتماعي والعناية بالمسؤولية الاجتماعية والأمن والسلامة.
اليوم نحن أمام مشروع جبار يعتبر الأول من نوعه في المملكة العربية السعودية حيث أطلقت هيئة تقويم التعليم والتدريب ETEC، ممثلة بالمركز الوطني للتقويم والتميز المدرسي «تميز»، مطلع العام الدراسي الحالي برنامج التقويم لأول مرة في تاريخ التعليم بالمملكة، وذلك عبر منصة التقويم الذاتي الرقمية (تميز) لتتيح للمدارس البدء في عمليات التقويم الذاتي من خلال فريق متخصص تم تدريبه وتأهيله والاستفادة من خبراتهم التعليمية في الميدان وبتعاون مثمر من بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعات حيث بلغت نسبة إنهاء 24 الف مدرسة للتقويم الذاتي 100 % من مدارس المملكة وما نسبته 47 % من المدارس قد انهت إجراءات التقويم الخارجي بما يزيد عن 11.5 ألف مدرسة، وذلك يحدث للمرة الأولى في تاريخ المملكة شارك فيه الطلبة والأولياء الأمور والمعلمين ويعتبر برنامج الاعتماد المدرسي بمثابة اعتراف رسمي للمدرسة باستيفائها معايير الجودة المعتمدة لدى الهيئة، ويسعى نظام الاعتماد المدرسي من خلال قياس الأداء المبني على المعايير والمؤشرات، إلى تبني ثقافة التقويم والتحسين المستمر، واعتباره نهجًا في ممارسة المدرسة اليومية، كما يهدف برنامج الاعتماد المدرسي في المملكة إلى ضبط جودة المدخلات والعمليات، وضمان جودة المخرجات التعليمية والتدريبية وحكومتها، وزيادة رضا المستفيدين، ورفع كفاءة المدرسة في استخدام مواردها المادية والبشرية، وتعزيز القدرة على الابتكار والتطوير في البرامج التعليمية، في إطار تحقيق مستهدفات رؤية 2030 وبرنامج تنمية القدرات البشرية، بل يعتبر هذا المشروع هو بمثابة التعرف على موقع المدرسة الحقيقي من الخارطة التعليمية وإعطائها تقدير عام بموقعها الحقيقي في التعليم فبناءً على نتائج التقويم المدرسي؛ يصنف أداء المدارس ضمن (4) مستويات وفقًا للنتيجة المكتسبة على (المجمع، والمراحل، والمجالات) وهي: مستوى أداء عالي (التميز) يتطلب استدامة التميز والابتكار (من 90 % فأعلى)، ومستوى أداء جيد (التقدم) وبحاجة إلى استمرار التحسين والتطوير ومتابعته (من 75 % إلى أقل من 90 %)، ومستوى أداء مقبول يصنف في دائرة (الانطلاق) وبحاجة إلى تحسينات كبيرة في بعض المجالات (من 50 % إلى أقل من 75 %)، ومستوى أداء منخفض بحاجة إلى تدخلات جوهرية للتحسين في معظم مجالات التقويم (أقل من 50 %) ويتم تصنيفه في دائرة (التهيئة) وهذه الحقيقة تعتبر من الخطوات الرائدةلتعريف المجتمع المدرسي بوضعهم الراهن والاطلاع على نقاط التحليل العلمي (نقاط الضعف والقوة) ومنحهم الخطوات المناسبة للتحسين والتطوير أو المضي قدما في التميز، كما أن التقويم المدرسي يزيد من القدرة التنافسية بين المدارس في تحقيق التميز ويهدف إلى تزويد أولياء الأمور وصناع القرار في وزارة التعليم بمعلومات موثوقة حول أفضل المدارس الحكومية والأهلية والعالمية من حيث الأداء في المملكة، كما يساهم في نشر ثقافة الأداء العالي والتميز في المدارس بالمملكة، وتعزيز التنافس الإيجابي بين المدارس الحكومية والأهلية والعالمية لتجويد وتحسين أدائها التعليمي.
هذا المشروع الضخم الذي قطع أشواطاً كبيرة من العمل المضني والجهد الكبير الذي بذلته الهيئة في الوصول الى مسح شامل لجميع مدارس التعليم العام، ينبغي أن يقابل بالتقدير لكل فرد عمل واجتهد وقضى شطراً من الوقت في تحقيق الأهداف وعلى مستوى عال من الجودة والأداء المتوازن عبر منصة رقمية اكتسبت تميزها من أسمها ورسمها ومؤشراتها التي تم وضعها بعناية، كل ذلك تحت متابعة مستمرة من القائمين عليها من مسؤولين وقادة ومشرفين وبمهنية عالية ودقة متناهية، هذا النتاج التقريري العلمي المدعم بالشواهد من الطبيعي أن يكون بمثابة المنارة المضيئة لوزارة التعليم في بناء خططها المستقبلية ووضع النقاط على الحروف في معالجة الكثير من المشكلات والعوائق التي تم رصدها في تقارير هيئة تقويم التعليم، وهذا ما سيمكّن الوزارة مستقبلا بأن تكون خططها الدراسية والعلاجية مستقبلاً وفق التطلعات والطموح المنشودة لتحقيق الأهداف المرسومة للتعليم في المملكة العربية السعودية حيث تمت بعناية فائقة وخطوات علمية مدروسة لحل المشكلات، وهذا ما يأمله كل أب غيور على ابنه وكل معلم يرغب في تطوير أدائه ومسؤول يسعى لتطوير منظومته والوصول بها الى تصنيف عال على مستوى العالم أجمع.