حاورها - عوض مانع القحطاني - تصوير: عبدالله المسعود:
هناك نساء خدمن الوطن.. ونذرن أنفسهن لخدمة الفئات الخاصة.. عاشت صاحبة السمو الأميرة سميرة بنت عبدالله الفيصل جل عمرها في تبني فئات التوحّد وإعاقات الفصام في المملكة..
الأميرة سميرة يطلقون عليها اليوم أم التوحّديين وأم إعاقة الفصام، وتسعى جاهدة للمساهمة في تهيئة مبادرات تنظيمية ومشاريع وطنية تخدم هذه الشريحة الكبيرة من أبناء وبنات هذا المجتمع الغالي.
الأميرة سميرة ساهمت في صدور العديد من القرارات التي تصب في مصلحة المعاقين.
«الجزيرة» وإيماناً منها قامت بزيارة لسموها وطرحنا عليها العديد من الأسئلة التي تتعلق بإعاقة التوحّد والفصام فماذا قالت لنا عن رحلتها مع نشأتها والتعليم ورحلتها مع فئات المعاقين..
إلى نص الحوار:
* أين كانت الولادة والتعليم سمو الأميرة؟
- أولاً أرحب بصحيفة الجزيرة، وأشكرها على هذه المبادرة وكما تعودنا منها إبراز القضايا الإنسانية وقضايا فئات ذوي الاحتياجات الخاصة في المملكة وجهود الدولة في مجال التعليم والتأهيل والرعاية الصحية الاجتماعية.
ولادتي كانت في مدينة الرياض.. ولدت ولادة طبيعية في المنزل أما بخصوص التعليم لم أبدأ مع الأسف مع التعليم إلا عندما وصل عمري 25 عاماً.. لأن والدي كان متديناً وكانوا يحضرون لنا معلمات في البيت لتعليمنا القرآن والحديث.. وبعد محاولات مع والدي -رحمة الله عليه - وافق أن ندخل المدرسة وأنا متزوجة في ذلك الوقت وقال بشرط أن تذهب معك للتعليم في محو الأمية زوجة السائق وكانت مديرة المدرسة في ذلك الوقت الأستاذة منيرة آل الشيخ وقد لاحظت أن لدي قدرات غير عادية فطلبت لي لجنة من الوزارة لتقييم المرحلة التي استحقها وبالفعل صدرت قرارات نقلي إلى المستوى السادس بنظام القفز لـ 3 سنوات وكنت قائدة للفصول منازل في المرحلة المتوسطة والثانوية وكان عندي هدف أن أكمل تعليمي الجامعي ولكن بسبب التعب والمرض الذي أصاب ولدي سخرت حياتي لهم.
* ما الذي جعلك تتجهين وتسخرين حياتك لخدمة التوحّديين؟
- شرف كبير لي أن يطلق عليّ أم التوحّديين.. وكان سبب توجهي وتسخير وقتي عندما اكتشفت أن ولدي عنده توحّد في عام 1997م فما كان أمامي إلا أن أعمل شيئاً لمن يصابون بهذا المرض.. قررت أن أنشئ مركزاً يخدم هذه الفئات ويخفف من معاناة الأهالي خاصة لم يكن آنذاك في المملكة معهد متخصص في تعليم التوحّديين إلا معهد في مدينة جدة.. بعدها ذهبت إلى أمريكا وأخذت فكرة عن إنشاء برنامج لمثل هذه الحالات خاصة البرنامج الفردي وطبقت هذا البرنامج في إحدى المدارس الأهلية عام 1999م ونجحت التجربة.. من خلال دمج أطفال التوحّد مع الأسوياء في مدرسة وأنا أعتبر أول من طبق تجربة دمج الطفل التوحّدي في المدارس العادية وقد تعاون معي بعض المسؤولين والمدرسين ومنهم د. ناصر الموسى في فتح فصول.. وكان الدمج في ذلك الحين في المدارس خلال الفسحة والطابور الصباحي.
أسست مركز والدة الأمير فيصل بن فهد
أسست مركز والدة مركز الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله - للتوحّد عام 2000م وقبلنا فيه حوالي 30 طالباً وتم وضع ترتيبات للفصول وإنشاء مسابح وما يحتاجه الطفل التوحّدي من الكوادر التعليمية والتأهيلية والطبية.. وقاعات لتدريب الأسر.. وقد تم دعمنا من قبل الأميرة جوهرة بنت فيصل بن تركي.
الملك فهد رحمه الله يوافق على إنشاء أول جمعية للتوحديين في المملكة
بعد ذلك فكرنا أن ننشئ جمعية للتوحّديين، فقد تم حصر الأسر التي لديهم أطفال توحديون ورفعنا بطلب إنشاء جمعية لهذه الفئة وبالفعل تمت موافقة مقام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله - وصدر أمره السامي الكريم بإنشاء هذه الجمعية وتبرع الملك خالد -رحمه الله - بمليون ريال سنوياً دعماً للجمعية وطلبنا من الأمير تركي بن ناصر بن عبدالعزيز -رحمه الله - أن يكون رئيساً لهذه الجمعية وأخذنا منه الدعم في مجال التدريب والتأهيل وتبرع بمنزله القديم أن يكون مكاناً للتدريب وخُصِّص لنا مكان للجمعية.. ووضعنا أهدافها وبرامجها وخطط عمل هذه الجمعية وتم تكليفي برئاسة هذه الجمعية وبقيت فيها 12 عاماً وقد تم افتتاح فرع لها في الدوادمي والخرج وكان من أهدافنا التوسع في جميع مناطق المملكة وتدريب الأسر الذين لديهم أطفال والشغالات المرفقين معهم على كيفية التعامل مع هذه الفئة.
* كيف تخدم الجمعية الأشخاص الكبار؟
- بعد اكتمال الخدمات للأطفال المصابين بالتوحّد أصبحنا نفكر كيف يمكن أن نخدم هؤلاء الكبار خاصة أننا لم نعد نطلق عليهم صغار.
قمت بزيارة العديد من الدول العربية للتعرّف على كيف تخدم هذه الفئة خاصة كبار السن.. فوجدت أن المملكة لديها إمكانات ولديها القدرة على إنشاء المراكز والمعاهد لكن هناك مشكلة أن الشاب التوحّدي يختلف برنامجه عن الطفل الآخر.. الطفل يمكن أن يتدرب ويتفاعل ولكن الشاب التوحّدي إذا كبر يحتاج إلى برنامج متكامل من العلاج الوظيفي ومن العلاج النفسي والنطق، كما أن الشاب التوحّدي بقاؤه في البيت (غلط) يحتاج إلى رعاية خارجية فقد تم إنشاء مركز تحت مسمى (مركز جودة الحياة للتوحّد في الدرعية) وقد تم قبول بعض الشباب الكبار من داخل المملكة وخارجها.
* هل لديكم إحصائية عن التوحّد في المملكة؟
- هناك إحصائية عالمية تقول إن كل 36 شخصاً يوجد فيهم شخص مصاب بالتوحّد من هنا نقول بأن سكان المملكة وصلوا إلى ما يقارب من 32 مليون ولكن التوقع لدينا ومن خلال ما نلاحظه أن لدينا ما يقارب من 400 ألف شخص مصاب بمرض التوحّد ولا يزال أمام وزارة الصحة مسؤولية وجهد كبير لمتابعة تشخيص هذا العدد ووضع إستراتيجية واضحة لمواجهته.. ولذلك أدعو وزارة الصحة إلى العمل على تثقيف الأسر الذين لديهم توحديون وأين يجدون الخدمات بعد تشخيصهم وأين الأماكن المناسبة لحالاتهم!
* هل هذه الأعداد في زيادة أم تناقص؟
- هذه الأعداد في زيادة وليس في تناقص والسبب ليس معروفاً.
* هل هناك أسباب لهذا المرض؟
- ليس لدينا دراسات طبية دقيقة بعض الدراسات تقول ممكن أن يكون وراثياً وهناك من يقول لم يعرف السبب حتى الآن.. حتى هيئة الإعاقة في المملكة لا يوجد لديها إحصائية عن مرض التوحّد.
* ماذا عن المشروع الوطني للتوحّد وهل تم تفعيل نظامه من قبل الجهات ذات العلاقة؟
- المشروع الوطني للإعاقة.. لم تكن إعاقة التوحّد ضمن الإعاقات المدرجة في المشروع وما كان يصرف إعانة لهم وكذلك رسوم للمراكز التي تعنى بهم وقد رفعنا في ذلك خطاباً للملك خالد -رحمه الله - وطلبنا منه أن تصنف إعاقة التوحّد وأن يضع رسوم لإعانتهم على الدراسة والعلاج والخدمات التعليمية والشؤون الاجتماعية فقد صدر المشروع الوطني 1423 بأمر سام من الملك فهد -رحمه الله - ومن ضمنها توجيه لوزارة الصحة بالقيام بالتشخيص والمتابعة وتدريب الأسر وفتح عيادات للتوحد.. ولكن لا يزال هذا المشروع دون مستوى التفعيل الذي تطمح له الأسر.
* وزارة التعليم لديها برامج لدمج الأطفال المعاقين في المدارس.. هل ترين أن مشروع الدمج ناجح؟
- مع الأسف المشروع من وجهة نظري الخاصة فقد كنت أماً لطفل توحّدي أرى أن البرنامج غير ناجح ونتساءل: هل بيئة الدمج صحيحة أم لا على سبيل المثال عندما تدمج طفلاً توحّدياً مع الطلاب الأسوياء وعنده نوبات صرع.. كيف سيكون ردة فعل الطلاب وأسرهم على وجود مثل هذه الحالات بين الطلاب، لذلك يحتاج الطفل التوحّدي إلى معلم ظل لأن معلم الظل هو معلم تربية خاصة يكون مدركاً للخطة الفردية ويكون قريباً من الطالب قد يصلح الدمج لبعض الحالات.. ولكن بعض الحالات تحتاج إلى خطة فردية. الشيء الآخر ونحتاج إليه هو تدريب الأسر.. المفروض يكون هناك دورات وكذلك توعية الأسر بطرق التعامل مع هذه الفئات ويكون الدمج في المدارس على مراحل لأن القدرات عند المعاقين تختلف من شخص لآخر.. وهذا هو المعمول به في الدول المتقدمة.
* هل هناك طلاب توحديون واصلوا تعليمهم الجامعي ونجحوا؟
- نعم، لدينا بعض الحالات الفردية من فئات التوحّد عندهم ذكاء (خارق)، أحد الطلاب أنهى الثانوية وطلب إكمال دراسته الجامعية وطلب أن يكون والده معه في قاعة الدراسة وقد وافقت وزارة التعليم على تحقيق رغبته وقد حصل على البكالوريوس. ونجاح هؤلاء التوحّديين والمعاقين بصفة عامة هو نجاح للمعلم والأسرة التي تشرف على هؤلاء الطلاب.
* ما هو المطلوب من وزارة التعليم تجاه المعاقين؟
- المطلوب منها إعادة تقييم دمج المعاقين في المدارس وشروط القبول في برامج الدمج وإعادة النظر في اختبار القياس لمن يرغبون في مواصلة تعليمهم الجامعي لأن المعاق يختلف عن الأسوياء في بعض القدرات.
* متى يكتشف مولود التوحّد عند الأسرة؟
- الطفل التوحّدي لا يكتشف إلا بعد مرور سنتين من ولادته، حيث يلاحظ عليه عدم النظر إلى أمه ولمن حوله والتواصل معدوم مع الآخرين ويرغب في الانعزال..
* هل يحتاج التوحّديون إلى عيادة خاصة؟
- بالطبع أناشد وزارة الصحة بإحداث عيادات للتوحديين والفصام والاضطرابات في مراكز الفئات الخاصة تحت إشراف وزارة الصحة لأن هناك أعداداً تحتاج لمثل هذه الخدمات.
* ما هو المطلوب من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية؟
- هناك فقرات في المشروع الوطني الخاص بالمعاقين موكل لوزارة الموارد البشرية وهو موضوع الإعاقات التي تصرف للمركز والأسر، حيث تحتاج لإعادة النظر وأريد أن أؤكد أن قضية التوحّد قضية شائكة جداً والأسر تتخبط من مكان إلى مكان وأريد أن أكشف شيئاً وأقول لكل الواضعين أبناءهم في المراكز (هو مضيعة للوقت وليس منها فائدة) وخاصة على الطفل التوحّدي لأنه لا يوجد هناك برامج حقيقية لتعديل السلوك، من هنا أطالب وزارة الموارد البشرية بتعديل بعض الأنظمة والقوانين وزيادة إعانة هذه المراكز ووضع البرامج الكفيلة بنجاح هذه البرامج التي تساهم في مساعدة الأسرة.. كما أطالب بزيادة ساعات بقاء الطالب في هذه المراكز أطول.
* هل الإعاقات وراثية أم ماذا؟
- حتى الآن لا توجد دراسة علمية حقيقية عن أسباب الإعاقة في المملكة.
* هل لا يزال هناك عوائل يخفون إعاقة أبنائهم ولا يحبون إظهارهم للمجتمع؟
- في بداياتنا في قبول الطلاب والطالبات في مراكزنا.. كنا نعاني وكان من ضمن شروط العوائل عدم الكشف عن أسماء أبنائهم إطلاقاً أمام أحد ويأخذون علينا تعهدات وشروطا ولكن اليوم تغيرت النظرة وأصبح هناك أسر يظهرون أبناءهم ولا يخفونهم على أقاربهم وهذا السلوك ليس فيه عيب أو مذمة وليس وصمة عار وهذه الظاهرة اختفت إلى الأبد وأصبح هناك وعي عند الناس.
* ما هي قصة إنشاء أول جمعية للفصام في المملكة؟
- قصة مرض الفصام بدأت فكرته من أحد الأشخاص المصابين بمرض الفصام عندما رسم لوحة (تفاحة) وسئل عنها لماذا رسمت هذه اللوحة.. قال هذه شكل مرضى الفصام (شكلنا حلو من الخارج.. ومن الداخل مكسورون) قررت أن أنشئ أول جمعية بعد أن تمت دراسة هذا المرض والتعرف على أعدادهم من خلال العديد من المستشفيات ومراكز الصحة النفسية وكذلك الاجتماع مع خبراء وأخصائيين وبحث هذا الموضوع، حيث إن التقديرات تقول بين كل 100 شخص هناك واحد مصاب بمرض الفصام، بمعنى أن عندنا ما يقارب من 300 ألف شخص وهذا المرض يكتشف عند الأشخاص بعد مرور 17 عاماً من أعمارهم.
* مرض الفصام هل هو بين الرجال أم النساء؟
- هذا المرض عند الرجال أكثر من النساء وهم من يأتون لنا لدينا حالياً في الجمعية ولدينا حالياً أكثر من 1200 مريض وخدماتنا تمتد لأكثر من 6 آلاف أسرة.
* كيف تنظرين إلى رؤية المملكة؟
- هذا حلم الشعب السعودي.. والشعب السعودي يحب التطوير.. وقدوتنا في ذلك هو الملك عبدالعزيز -رحمه الله - كان عنده رؤية وبحث عن البترول ولذلك رؤية الملك سلمان بن عبدالعزيز وعرَّاب هذه الرؤية سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- هي فاتحة خير لهذه البلاد وأهلها وشملت المعاقين في بلادنا في وقتها والأمير محمد مهتم بفئة المعاقين وعلينا أن نتكاتف حتى نحقق نهضة شاملة كما يجب علينا أن ندعم دولتنا في كل المجالات.
* ما هو المطلوب من الإعلام السعودي لخدمة قضايا المعاقين؟
- أنا أتمنى من المختصين في الإعلام إبراز الجوانب الإيجابية عند فئات المعاقين وإبراز ما تحتاج إليه الأسرة والمعاق، والإعلام السعودي حتى الآن يتفاعل مع مناسبات المعاقين ومع قضاياهم ويحثهم على المساندة.
* ما هو أصعب موقف مر عليك في تعاملاتك مع أسر المعاقين؟
- أصعب المواقف رجل كبير في السن رابط ابنه في (شبك) لأنه غير قادر على رعايته منذ ما يقارب من 9 سنوات وقد أرسلت إليه من يأخذ هذا المعاق وحولناه إلى أحد المعاهد وتغيرت حالته إلى الأحسن.