سلمان بن محمد العُمري
الدنيا دائمة التقلّب والتغيّر، شئنا أم أبينا، ومع تغييراتها تعصف بنا أحداثها بدون أن تعطينا فرصة للتفكير أو الاختيار، والتفاؤل عند الشدة سنة نبوية، وهو علامة على قوة الإيمان بالله وصدق التوكل عليه، والرضا بما قسمه الله تعالى لنا عبادة أياً كانت أحوالنا فهي الأنسب لنا والله أعلم بأحوالنا والخيرة فيما يختاره الله لنا لا ما نشتهيه ونؤمله، والتفاؤل وحسن الظن بالله فيه طمأنينة وسكينة وراحة للقلوب والنفوس، والله سبحانه وتعالى يقول: «أنا عند ظن عبدي بي»، وللأسف أن بعض الناس لا يتحمّل نكبات الدهر وصوارف الأيام وما يقدره المولى سبحانه وتعالى على عباده فيتأثرون من بعض المواقف لسنوات طوال، إن لم تنته بهم الحال للعيادات والمصحات النفسية للعلاج، وقد أعجبني الروح التفاؤلية لإحدى الشخصيات المؤثّرة في مواقع التواصل الاجتماعي وهو الكاتب بدر الحمود وروحه التفاؤلية الطيبة وهو يعلق على أحد المواضيع التي أثارها أحد المغرّدين عن الصدمات النفسية وتأثيراتها على الآخرين فقال: (بسم الله.. اسمي بدر الحمود (بوملك).
بوملك فقد والده عبدالمجيد وأخويه بسام وخالد -رحمهم الله - رافقهم على سرير الموت، وحمل نعوشهم على كتفه، وتحمّل مسؤولية رعاية ورثتهم بكل حبٍ وتفانٍ، ولم تتوقف آلامه في الفقد عند هذا الحد، بل فقد معهم خمسة أبناء أجنّة لم يكتمل نموهم.
وفي أزمة كورونا خسر وظيفة مرموقة براتب «مليون ريال سنويًا» وحادث سير كاد أن يودي بحياته. وبسبب هذه الضغوط، اضطر لبيع منزل العمر وهو تحت الإنشاء، حتى لا يتعثّر حلمه الذي عمل عليه لسنوات في بناء منصة ثقافية، تنشر الوعي وتنير العقول، فتحت بيوتًا وأنارت قلوبًا، ولم تتأخر عن رواتب موظفيها قط، فعمّ خيرها البلدان، وكرّمته بلاده برعاية ولي العهد بجائزة الثقافة للشباب.
عرفت من خلال الصدمات النفسية الفقد والخسارة، وحدّقت بعيون الموت حتى صاحبته، أدركت منذ البدء بأن الارتكان إلى الأسباب المادية الخالصة قد يفضي بنا إلى الجنون ويلقي بنا في متاهة نفسية لا مخرج لها، كانت الصدمات بوابتي للعبور إلى التدبر في حكمة الله منها، ومن كل المصائب التي تحل بنا، ومعها جاء اليقين بأن كل صدمة ما هي إلا عطايا وعي منه سبحانه، وأن الحياةُ امتحانٌ، فمن أدركَ حقيقتها لم يكف عن المحاولة والسعي فيها، ومن غفلَ عنها ضلّ طريقهُ ووقعَ في دائرةِ الهلاك.
صبرت واحتسبت وتعلّمت من دروس الحياة القاسية، فبشّرني الله بأضعاف ما فقدت، وتملكني يقين راسخ بأن القادم أجمل، وأصبحت الابتسامة جزءاً من تكويني لا تفارق محياي، فلله الفضل والمنّة.
ما أيسر الحديث عن الصدمات وآثارها، وأنا الذي اختبرها بأشكال شتى. فقط أردت أن أنقل تجربتي، علها تحمل فائدة لشخص ما زال أسيرًا لصدماته، وأننا قادرون رغم المعاناة على تحدي أزماتنا، وبأن هناك منحة وراء كل محنة نعيشها» في ظلمة الصدمات تكمن عطايا الوعي»
بالمناسبة أكتب هذه الكلمات بينما أمرح مع ابنتي ملك وأشاركها اللعب، موقنًا بأن في الحياة لا تستحق أن نقاوم من أجلها، وأنّ صدماتِها مهما عظُمتْ لا تهزمُنا، بل تُعلمُنا. {ولَنبلونكم بشيءٍ مِنَ الخوفِ والجوعِ، ونقصٍ مِنَ الأَموالِ والأَنفسِ والثمراتِ، وبشّرِ الصابرينَ الذينَ إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعونَ}. انتهى حديث الأستاذ بدر في معرض رده على أحد الأشخاص القانطين والناظرين للحياة بسوداوية.
نعم الحياة استفاقة.. هذا ما يجب أن نؤمن به ونتفاءل ونحسن الظن بالله مهما كانت الظروف التي نعيشها، ولا شيء يحدث للإنسان إلا وقد منحه الله القدرة على تحمّله مفهوم عميق لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا..}، والثقة في النفس وقت اليأس قوة، والإصرار برغم المعوقات نجاح في حد ذاته، والثقة بالله هي قوة عظيمة حين تسكن أعماقك تستطيع أن تجتاز بها جميع عوائق الحياة فكن متفائلاً وانشر التفاؤل فيمن حولك.
إن التفاؤل يمنحك النجاح قبل اكتماله والتشاؤم يذيقك حسرة الفشل قبل حدوثه. وقد قالوا قديمًا.. التشاؤم لن يعيد ما ذهب.. ولكن التفاؤل قد يمنحنا ما هو أغلى من الذهب.
والتفاؤل كالحلم وكالصبر يمكن التعود عليه بالتدرج وترويض النفس وهناك قاعدة نفسية تقول: ما تمارسه يومياً سوف تتقنه بكفاءة عالية، فعندما تمارس القلق ستقلق لأتفه الأمور، وعندما تمارس الغضب ستغضب بدون سبب، لذا مارس الطمأنينة لتتقن السكينة، ومارس التفاؤل والأمل لتتقن راحة البال، ومارس الثقة وحسن الظن بالله في حياتك تنعم بالسعادة.
حتى عندما يبدو لنا أن الأمر كله شر، فنحن لا ندري لعل الله يريد بنا خيراً لا نعلمه، «لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا»، ونحن لا نستطيع مهما بلغنا من علم وحكمة أن ندرك حكمة الله البالغة، وقد جاء في كتاب الله الكثير في هذا الشأن: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}، وهذا توجيه رباني في إحسان الظن بالله عزَّ وجلَّ والتوكل عليه، والثقة بحكمته ورحمته، وأنه سبحانه وتعالى لا يريد بعباده المؤمنين إلا الخير.