الحج هذا العام 1445 هجري حيث استضافت بلادنا الغالية في مكة المكرمة أكثر من مليون، وثمانمائة ألف حاج خلال فترة قصيرة بأمنهم، وأكلهم وشربهم، ورغم تعدد لغاتهم، وعاداتهم.. في مناسبة إسلامية عظيمة لها مكانتها الروحية عند كل مسلم في اي شبر من اصقاع الدنيا والتي تحتاج إلى فن في إدارة الحشود، حيث إبراز الجوهر الإنساني للقيادة السعودية في الحج. ولا يستغرب على المملكة قدرتها الفائقة على إدارة الحشود بعناية الله، ثم بمتابعة والدنا وقائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان، وسمو وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود -حفظهم الله- واثبتت قيادتنا، وجنودنا البواسل بأنهم على قدر من المسؤولية، وأعطوا الحجيج ما يستحقون من عناية واهتمام..
وخدمة ضيوف الرحمن ليست بالجديدة، بل منذ تأسيس البلاد على يدي المؤسس الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن إلى يومنا هذا في عهد سيدي خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز فخدمة ضيوف الرحمن تلقى الأولوية عند ملوك المملكة العربية السعودية جميعا، الذين كان لهم شرف خدمة بيت الله الحرام وحماية سدنة الكعبة وهي خدمة عظيمة فالإشراف على هذا الكم الهائل من البشر في موقع واحد قد تعجز عنه دول عظمى..
وخدمة الحجاج شرف ومنحة إلهية للمملكة أنْ مكَّنَها من خدمة ضيوف الرحمن، وهو الذي أكده ولي العهد في حديثه، بعد نجاح تصعيد يوم عرفة، وبمناسبة عيد الأضحى، أمام جمع من القطاعات.
في النظام الأساسي للحُكم بالسعودية، المادة 34، ما نصه: «تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفر الأمن والرعاية لقاصديهما، بما يمكِّن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة».
ويحق لنا أن نفخر ونعتز بقيادتنا الرشيدة وبقواتنا الأمنية التي كانت على أتم الاستعداد لبذل الغالي والنفيس لتسهيل أمن الحجاج، وتسهيل حركة الحشود الكبيرة القادمة من كل أنحاء المعمورة وتمكينهم من أداء هذا الواجب الديني بأمن وأمان ويسر وسهولة.
وحج بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمسة وهو شعيرة إسلامية ليست للتوظيف السياسي كما تحاول بعض الأنظمة السياسية سابقاً وحاضراً إفسادَ موسم الحج، ولكنهم جميعاً باءوا بالفشل وذهبت ريحهم. وهذا من فضل الله تعالى.
وقد ورد في القرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وبصريح العبارة قال تعالى {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}. وقد ورد في التفاسير المبكرة بالمأثور عن عبد الله بن عمر، توضيح لمعنى الجدال الوارد في الآية الكريمة بالخصومات
فماذا عن الحج قبل تأسيس هذه البلاد؟
كان الحجاج يقضون فريضة الحج في تعب ومشقة وخوف ومخاطر كثيرة جداً لا حدود لها، فكانَ الحاج عندما يودّع أهله ذاهبًا إلى الحج يوصي من بعده إن لم يرجع سواء من مخاطر الطريق أو من مشقة مناسك الحج، والطواف، والتدافع على الجمرات، وهذا كله دليل على المشقة والعناء لهم في ذلك العهد ولكن هذا كله تم تذليله، بفضل من الله تعالى وتم توسعة الحرمين الشريفين وعمّر المسجد الحرام وتم توسيعه فأصبح الطواف في صحنِ المسجد الحرام على أفخمِ الطرازات الحديثة مزوداً بتقنية التبريد، وفي سهولة ويسرٍ، من فضل الله تعالى وإقامة جسر الجمرات بعد أن جرى إنشاء عشرات التوسعات في صحن المسجد، وباقي المرافق وعبّدت الطرقات حتى أصبحَ الحج سهلاً ميسراً حتى على المريض قبل صحيح البدن وقد شاهدنا ذلك بام أعيننا نقلهم من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة لأداء مناسكهم بكل يسر..
وتاريخ بلادنا حافل بالإنجازات المتلاحقة وبالرقي والتقدم والرخاء ونهضة عمرانية لا يوجد لها مثيل وبتنمية الموارد البشرية، وبناء الإنسان السعودي والاستثمار؛ وهذا مكَّنها من تقديم الخدمات الأفضل لحجاج بيت الله الحرام بأحدث التقنيات، وبأفضل المواصلات ومنها القطارات المريحة المكيَّفة، فتأمين نحو مليوني حاج للصلاة في مكان وزمن واحد لا يتجاوز بضع ساعات في خدمات لوجيستية فريدة، لا تستطيع دول عظمى حتى محاكاة ذلك في التصعيد والوقوف بعرفة والنفرة منها الى مزدلفة.
قد تمتلك تقنيات وإمكانات كبيرة، وهذا لا يمكن النظر إليه على أنَّه حدث عادي لمجرد تكراره كل عام.
لن أستطيع أن أقف على جهود الدولة في مقال كهذا ولكن ما أكتبه مجرد رؤوس اقلام ينطوي تحتها الكثير من الخدمات هناك أسطول طيران عمودي مدرب تدريب عال وحديث التجهيز يستخدم لإسعاف الحجاج ومراقبتهم والتدخل السريع صحبة منظومة مراقبة بالكاميرات لتأمين الحجاج وسلامتهم، في ظل رجال أمن مبتسمين دائماً لخدمة حجاج بيت الله الحرام، بل هناك استخدام للتقنية في التبريد لدرجات الحرارة العالية حتى عند سفح جبل عرفة، حيث مكيفات الرذاذ المائي المستخدم للتبريد وهذا شاهدناه عبر الصور التي تنقل لنا عبر قنوات التواصل من الحجاج وعبر القنوات الإخبارية وكذلك مراكز الإسعاف وتوفير عربات قطارات حديثة جهزت للنقل من مشعر عرفات إلى مزدلفة حيث يبيت الحجاج ليلتهم وهي عملية تفويج ونقل يطلق عليها نفرة الحجيج وهي ليست بالعملية السهلة أن تؤمن حركة الجموع لنحو مليوني حاج في مكان واحد وساعة واحدة، بل تنجح في منع التدافع بين الحجيج عبر استخدام نظام خاص بحصر أعداد المصلين ومن خلاله استخدام كاميرات وحساسات خاصة لحصر إجمالي أعداد المصلين لتجنب التزاحم والتدافع على مداخل ومخارج الحرم المكي الشريف وجميع المشاعر..
إنه لشرف عظيم خدمة ضيوف الرحمن ويعد جزءا من الهوية الدينية والسياسية لبلادنا الغالية منذ تأسيسها..
أمن الحج خطٌّ أحمر لدى قيادة المملكة العربية السعودية وهو شعار متجدد عبر الزمن في إدارة الحج، وفي كل موسم يثبت أن ذلك لمصلحة الحجاج أولاً وأخيراً، كما أنه لا بد من تصريح للقيام بهذه الفريضة، وكل هذا من أجل سلامة الحجاج وأمنهم، استناداً للقيم الأساسية لشعيرة العمر؛ حيث الحج مفروض مرة في العمر.
هذا التحذير لا يستهدف دولة بعينها، من الدول الإسلامية فالخطاب موجهٌ إلى جميع الحجاج من داخل المملكة وخارجها.. وهو مستند إلى أصل عظيم من أصول الإسلام، في مقاربته لآداب وواجبات هذه الشعيرة المفروضة.
ولا نستطيع حصر تطور بلادنا في مشروع الحج فقط بل هي مشروع نهضةٍ مستدامة بدأ منذ توحيدها فتمكَّنت بحكمة ملوكها من النهوض واللحاق بركب الحضارة ضمن رؤية السعودية 2030 التي ستحقق للمملكة العربية السعودية مكانةً بارزةً في عالم متجدد، لأنها بفعل ذلك ستصبح أحد أهم العواصم الاقتصادية والعلمية والترفيهية والسياحية.
يصاحب ذلك حزمة من الإصلاحات في حراك طال مجالات مختلفة ومتعددة، ومكنت للشباب عامة والمرأة السعودية خاصة من المشاركة في مجالات كثيرة.
هناك همّة وتصميم لا يفتران صنعَا من السعودية دولةً مؤثرة إقليمياً وعالمياً، تسعى إلى نهضة عملاقة لصنع التقدم والنماء.