د. محمد بن صقر
كثر الحديث عن شخصيات تاريخية وسياسية ودينية وأدبية جدلية في تاريخها، بقيت في ذاكرة الجماهير وفي صفحات التاريخ بين مادح لها وناقد لها ومحاكمتها بسياقات الحاضر، ومن منطلقات سياسية او فكرية أو حتى مذهبية معاصرة ومن شخصيات استندت على ما كتب من تاريخ ووقائع قد تكون دقيقة أو مزيفه أو غير ذلك من قبل بعض الأشخاص الذين لا يتبعون منهجية علمية محضة في طرح آرائهم وانما اجتهادات وتحيزات لآراء واهواء غير منصفة، وكتبت تحت ظروف معينة وتم نقلها لنا، وبالتالي أصبحت في كثير من الأحيان رهينة اجتهاد للمؤرخين في تفسيراتهم للنصوص والوقائع التاريخية، وقد تخطئ وقد تصيب هذه التفسيرات، وأنا هنا لست بصدد التمحيص في ذلك، لذا أجد أن الشخصيات التاريخية أياً كان مساقها ومجالها لابد أن تحاكم بتاريخها وبأحداثها وبشهود عصرها، وبأهل صنعتها لا محاكمتها بتاريخ معاصر وأدوات معاصرة وبظروف مختلفة، فأعمالهم هي وليدة ساعتها وبمتغيرات عصرها فالسياسي يفهم أهل السياسة، والاديب والشاعر يفهم أهل الأدب والشعر، وأهل الحديث والدين يستطيعون فهم الدين وأهل الحديث، فالعامة من الجماهير والتي تنقل تلك الوقائع والاحداث من التاريخ للاستئناس به والاستفادة منه ليس لها الحق في محاكمة تلك الشخصيات، سواء بالمدح أو الانتقاد أو التدنيس أو التقديس، ولا أدل على ذلك مما ذكر عن عبد الله بن أبي محجن الثقفي عندما قدم على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، إنِّي أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب، فقال معاوية: لله أنت! أتدري ما قلت؟ أمَّا قولك الغبي، فو الله لو أنَّ ألسن الناس جمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان علي، وأمَّا قولك إنَّه جبان، فثكلتك أمك، هل رأيت أحداً قط بارزه إلَّا قتله؟ وأمَّا قولك إنَّه بخيل، فو الله لو كان له بيتان أحدهما من تبر والآخر من تبن، لأنفد تبره قبل تبنه)..
فمعاوية رجل سياسة وعلي رضي الله عنه رجل سياسة وأنصف معاوية عليا في الرد على الرجل، ولو ترك معاوية الرجل يتحدث كيف شاء لوجدت بعض المؤرخين يتجرؤون على علي في ما قال، وينسجون عليه القصص لتصديق أنفسهم في ذلك، فكلما كان سرد التاريخ لشخصيات من نفس المجال كان أكثر موضوعية عندما يكونوا منصفين كذلك من الشخصيات التي كثر الحديث عنها هي شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي وما دار عليها من قصص واحاديث وأحداث تاريخيه، وتم جلدها من قبل البعض وتمجيدها من قبل البعض الأخر، وحملت فوق ما تحتمل من سرد وطرح سفسطائي وبيزنطي لا طائل منه، سوى التقوقع على صراعات تاريخية للبحث عن انتصار رأي.
ومن الشخصيات التي كثر سحبها لمحكمات والتقييم المعاصر ما دار في وسائل التواصل الاجتماعي حول شاعرية نزار قباني وأحمد شوقي وكذلك المتنبي، وهذا الامر مدعاة للتعجب؛ فالعامة عندما تناقش شخصيات لها قامتها وتاريخها وأعمالها في وقتها وتاريخها، وتنتقد ذلك لابد أن تكون علمية في طرحها موضعية في نقاشها فالطبيب بدون علم وامتلاك أدوات الكشف على المريض لا يمكن أن يشخص المرض، كذلك لابد أن من يتصدر الحديث عن هؤلاء الرجال ومن كتب التاريخ سيرهم أن يمتلك المعرفة والأدوات وأن يبتعد كل البعد عن وجهات النظر والتحيز في طرحه.