د.عبدالله بن موسى الطاير
الحملة التي تعرض لها الحج هذا العام كانت وقحة لدرجة غير معهودة، وعلى الرغم من لجوئها لمعلومات مزيفة وكاذبة فإن عدداً كبيراً تفاعل معها وعمل على الترويج لها. صحيح أن الاستهداف كان موسم الحج، لكنهم في واقع الأمر يستهدفون كيان الدولة، وهذا ليس حديثاً، وإنما حملات متجددة سبق لها واستخدمت الصحافة، والإذاعة والتلفزيونية والآن شبكات التواصل الاجتماعي.
لا شك أن شبكات التواصل الاجتماعي فتحت الباب على مصراعيه لاستهداف الدول والمنجزات والأفراد، والأمر لا يتعلق بأشخاص يعبرون عن وجهات نظرهم أو ينتقدون ممارسات لا تعجبهم أو حتى يفرغون أحقادهم، وإنما يتعلق بلاعبين كبار هم واجهة لدول ومنظمات وجماعات لا تستطيع التعبير صراحة عن عدائها، فتلجأ للحسابات المسجلة بأسماء وهمية واستئجار ناشطين يعرضون خدماتهم لمن يدفع أكثر. خطر الحروب التي تدور بالوكالة في الميادين الافتراضية أن القائمين عليها يمكن أن يسجلوا حسابات موالية وشديدة التطرف في الولاء للنفخ في العدو المستهدف، ويصطادون بها المتحمسين بدافع الولاء والدفاع عن الوطن، لكنهم في الواقع يعطون مصداقية لتلك الحسابات التي يتعاظم تأثيرها ثم في لحظة فارقة تبدأ في الضرب من الداخل واستهداف عدوها الحقيقي ظناً منهم أنها لحظة انفجار البالون.
يؤدي انتشار المعلومات المضللة والنشر السريع للمعلومات الكاذبة إلى تصعيد التوترات بين الدول، وإثارة الغضب العام، والصراعات. ويمكن للجهات الفاعلة التي ترعاها الدول أو المنظمات أو الجماعات استغلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الدعاية والتلاعب بالرأي العام في البلدان المستهدفة. بالتأكيد فإن التلاعب لا يكون دائماً بالشتم، وإنما بالمزاوجة بين حسابات تشتم وأخرى تطبل ليسهل بذلك تحقيق الإرباك واختراق المدافعين وضربهم ببعض، والتدليس على الرأي العام.
تهيئ وسائل التواصل الاجتماعي بيئة مثالية لنشر الآراء المتعصبة، مما يؤدي إلى التطرف والتحريض على العنف، ومفاقمة الصراعات القائمة، وخلق صراعات جديدة، وينشط القراصنة الذين ترعاهم دول أو منظمات أو جماعات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لشن هجمات إلكترونية ضد البنية التحتية الحيوية، أو نشر معلومات مضللة لزرع الفتنة وإضعاف الخصوم، بهدف تقوض الثقة بين الدولة المستهدفة وشعبها، وزعزعة استقرار الأمن. كما تُستخدم منصات وسائل التواصل الاجتماعي للتلاعب بالخطاب العام مما يؤدي على المدى البعيد إلى تآكل ثقة الجمهور في المؤسسات والإضرار بسلامة النسيج والسلم المجتمعي.
تعمل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي على تعزيز التحيزات الموجودة، حيث يتعرض المستخدمون فقط للمعلومات التي تؤكد وجهات نظرهم الموجودة مسبقًا. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الاستقطاب السياسي داخل البلدان وفيما بينها، مما يزيد من صعوبة إيجاد أرضية مشتركة وحل النزاعات. أي متابع لبعض المنصات، يحاول البحث عن معلومة تبدأ الخوارزميات بإغراقه بما فهمت أنه توجه أو حاجة لديه أو فضول، فتحقق له الإشباع بسيل من المعلومات والآراء وجملة من الأكاذيب التي يأخذ بعضها برقاب بعض على مدار الساعة.
انعدام المساءلة على وسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى تراجع الكياسة والنقاش المحترم، مما يخلق بيئة سامة، حيث يشعر الناس بالإحباط ويتعاظم في نفوسهم السخط وذلك نتيجة مرضية لمن يديرون تلك الحملات. بكل أسف فقد تزامن مع هذا النفوذ والتأثير تراجع دور وسائل الإعلام التقليدية، مما يجعل من الصعب على الصحفيين المحترمين والمعروفين بأسمائهم، أداء دورهم الرقابي في وجه حملة شرسة من المعرفات الوهمية التي تعمد مع أي خطاب مسؤول مخالف لها إلى اغتيال الشخصيات التي تتبنى هذه المقاومة، والنتيجة والحال هذه تتمثَّل في قدر أقل من التدقيق في المحتوى، وانخفاض جودة المعلومات المتاحة للجمهور.
لقد كشف الهجوم المسيس على موسم الحج، وعلى المملكة قيادةً وشعباً الحاجة الملحة للدفع بتعاون دولي وتشريعات قادرة على لجم المنصات المنفلتة. وإذا كان المغرِّد والحسابات السعودية تقوم بدور مهم في التصدي لتلك الحملات، فإن المسؤولية تقتضي كشف الواجهات والذين يقفون خلفها لمعرفة الأجندات، وزيادة الوعي بحجم الاستهداف الذي تتعرض له بلادنا.