د. غالب محمد طه
في صباح يوم عرفة، استيقظ العالم على مشاهد تفيض بالروحانية ومفعمة بالإيمان. الشمس ترتفع ببطء، تنثر أشعتها الذهبية على الأرض، وكأنها تحتفل بيوم الحج المبارك، يوم اجتمع فيه الناس من كل حدب وصوب، متوافدين إلى جبل الرحمة، مرتدين البياض، رمز النقاء والسلام. الأرواح تضطرب، والأنفاس تتهدج، والعيون ترنو إلى السماء، في انتظار الرحمة والغفران. على الرغم من أن الشمس تنبئ أنها ستكون مشرقة ومحرقة إلا أن العزائم كانت أكثر تصميماً ولم تحفل بسخونة الجو فقد كانت مشغولة بلهيب الروح التي تناجي وتهتف لله، الجميع أتى مبتسمًا متيقناً وواثقًا من رحمة الله.
الألوان تسود المشهد، الأبيض يغلف الأرواح بالراحة والسكينة، والأخضر يلوح في كل مكان، يتداخل مع الأبيض في لوحة فنية بديعة. وهناك لون ثالث، لون العزم والتصميم، يبرق في الوجوه المتعبدة، ينداح بعفوية تؤكد قيمة السعي والتقرب إلى الله.
لحظة، هذا المقال مبني على رؤية الصور، الصور فقط، ويهدف إلى إعادة خلق الأجواء والتفاصيل عله يعكس الحيوية والأهمية الكبيرة للحدث، الصور تدعوك للغوص في أعماق الحدث واستكشاف تفاصيله.
كثيرة هي تلك الصور التي مرت كشريط سينمائي ضخم طيلة أيام الحج المبارك وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور باذخة الجمال بعضها جعل الدموع تسيل رغما عنها لرهبة المشهد، ولكني توقفت كثيرًا أمام صورة باهرة أرسلها لي أحد الأصدقاء أكاد أجزم بأن الجميع توقف أمامها لعميق مغزاها، صورة لرجل مسن يبدو عليه التعب يتفحصه رجل أمن ثم يخفف عليه تعبه بغسل رأسه بالماء قبل أن يحمله بين يدية برفق وحنيه وكأنه أحد أبنائه، يا الله أوقن أن كل من شاهد هذه الصورة قد توقف رغمًا عنه متأملًا لتفاصيلها النبيلة الصادقة، هذه الصورة ببساطة تجسد الروح الإنسانية والتفاني. وتهمس في كل أذن برفق وحسم، إننا حماة الأمان في هذه الأرض الكريمة.
إن هذه الصورة من بين المئات من الصور قد عكست الأدوار الإنسانية الحقيقية التي لعبتها الأجهزة الأمنية في أيام الحج، فهل يوجد صورة أكثر رواءً من هذه الصورة؟
انتشرت بعدها عشرات المقاطع في مواقع التواصل الاجتماعي التي يعبّر فيها الحجاج عن شكرهم وتقديرهم لرجال الأمن، وعندما نتفحص خلفيات تلك المقاطع نجد خلفها ابتسامة وتيسيراً وحُسن معاملة لحجاج بيت الله؛ ما جعل ذلك الانطباع عاماً عن رجل الأمن السعودي في الحج.
بالفعل، واصل رجال الأمن السعوديون من مختلف القطاعات خدمتهم لضيوف الرحمن خلال موسم الحج. وظهر تفانيهم وجهدهم بوضوح في المسجد الحرام وداخل المشاعر المقدسة عبر مراقبة الطرق والمركبات ومكافحة التهديدات وتأمين الحجاج وتقديم أقصى درجات الأمان والراحة رجالاً عملوا بتفانٍ وقدموا للحجاج لا سيما كبار السن رعاية لا مثيل لها. وأسهموا في تنظيم رمي الجمرات وتوجيه الحجاج بأمان. حاضرين في كل مكان، متأملين في تفاصيل الأمان والراحة. يعملون بصمت، ولكنهم أبطال حقيقيون. يحملون مسؤولية كبيرة على أكتافهم، ويعملون بإخلاص لتأمين حجاج بيت الله الحرام..
هم الذين يعملون بجد لضمان سلامة الحجاج وتيسير أداء مناسكهم. يتراوح دورهم من تأمين المواقع الحساسة إلى تنظيم حركة الحشود والتعامل مع الطوارئ. وقد تجلت إنسانية رجال الأمن السعودي في الكثير من المشاهد والمواقف. يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة وفي ظروف حرارة مرتفعة ليوفروا الأمان والراحة لضيوف الرحمن وتلبية احتياجاتهم على مدار الساعة. يتفانون في خدمتهم ويوصلون رسالتهم العفوية لجميع أصقاع الأرض.
فهل هناك صور أكثر إشراقًا وجمالًا من التي رأيناها؟ ففي الوجوه تصميم وفي القلوب عزم وعلى اليدين قوة وفي المستقبل متسع لإعادة رسم كل الصور.
إنها لحظات تخلد في الذاكرة، تحكي قصصًا عن الإنسانية والتضحية، تلك التي تعلمنا أن الروح الإنسانية لا تزال مشعة بالأمل والخير، وأن العمل النبيل يترك أثرًا لا يُنسى في قلوب الناس، هذه الصور ليست مجرد لقطات، بل هي دعوة للتأمل والاحتفاء بالقيم الإنسانية التي تجمعنا جميعًا.
الآن وبعد الانتهاء من تصفح بعض صور الحج أقول، نحن نتطلع إلى مزيد من المحبة والتَآلُفُ والتَوالَفَ بين الشعوب لنعود أمة عربية موحدة قوية وشامخة، حيث تتألق بالعلم والثقافة والفنون. ونرى السعودية كمركز للتعلم والابتكار، وكملاذ للسلام والأمان، حيث يعيش الناس في هدوء وسلام، ويتمتعون بحياة مليئة بالرفاهية والراحة.
قطعت السعودية أشواطاً طويلة في إدارة الحشود وصارت معلمًا وهاديًا ويطلب منها المشورة في كيفية تنظيم الحشود من قبل دول العالم الأول وذلك لخبراتها المتراكمة في هذا المجال فحفي بنا أن نرفع القبعات لكل القطاعات التي نجحت بامتياز في إدارة موسم الحج وللجنود المجهولين في كل ميادين الحج.
حفظ الله رجال الأمن وهم يعكسون، القيم الإسلامية ويسهمون بقوة بعكس ثقافته بلدهم الغنية وتاريخها العريق.
وإلى رجل الأمن الذي حمل ذاك المسن بين يديه أقول تمنيت والله لو أن التقيتك لصافحتك بحرارة ولشددت علي يديك بمحبة ولدعوة لوالديك بالرحمة.
وأختم بكلمات باهرات من أبيات شعرية صاغها ونظمها صديقي الفنان عمر الحاج بلسان ذلك الشاب الشهم ذو الخلق النبيل علها تصله وهو ينعم بالتوفيق والسعادة.
يا حاج مرحب بيك
مرحب بيك يا حاج
من وين ما جيت لوجيت من دكا أو جيت من عكا
من كشمير من بغداد من أم الدنيا أو آخر الدنيا
من باكستان من لاغوس
أو من لاوس أو من بورتسودان من مانيلا أو رام الله
مرحب بيك إن جيت في عمر الستين أو في عمر التسعين. وإن العافية بخير
نشيلك شيل
نطوف ونكبر ونرمى الجمرات نقيم الليل
نتعبد وندعو لبيك اللهم لبيك
وحج مبرور وسعى مشكور ومن وين ما جيتنا مرحب بيك
وإن العافية بخير نشيلك شيل.