عبدالله إبراهيم الكعيد
كنت قد كتبت في هذه الزاوية عن فخ المثاليّة والسعي نحو الكمال وصلت فيه إلى حقيقة وقوع معظم الناس بين تطرفين إما تقصير متعمد أو هوس للسعي نحو كمال مستحيل. واليوم سأحكي لكم عن كتاب (متعة الكمال، تغلّب على فخ المثالية وجلد الذات لتكون أفضل نسخة من نفسك) وهو في أصله (أي الكتاب) عبارة عن سرد ٍلتجربة شخصيّة مرّ بها المؤلف ديمون زهاريس منذ كان يافعاً في العام 1980 حينما كانت عائلته تأمل في تأهله لأولمبياد 1988 للمنافسة على إحدى ميداليات سباقات السباحة إلا أنه وبعد أن بذل كل جهد في التدريب أخفق في التأهل فشعر بالإحباط واليأس وبالتالي التخلي عن فكرة ممارسة السباحة كمنافسة.
تكرر الفشل أثناء محاولاته إجادة العزف على آلة الجيتار فشعر بالغضب من نفسه وظن بأنه لم يُخلق أصلاً للنجاح حتى أتت القاصمة أو ربما الدرس الأبلغ في حياته. كان قد حصل في العام 1995على وظيفة مرموقة في واحدة من أكبر شركات إدارة الأموال في العالم. اعتقد صاحبنا بأنها فرصة العمر لكسر نحس الفشل الذي رافقه فبذل كل جهد أدّخره وسعى بكل قواه نحو تحقيق مثالية الأداء رغبةً في تميّز منشود إلا أنه اكتشف أن ذلك الهوس في تحقيق الكمال قد استنزف كل طاقاته وشوّش على تركيزه مما أدى بهِ للوقوع في أخطاء غير مبررة أوصلته إلى فشل ذريع، فترك تلك الوظيفة لكنه في هذه المرّة كان قد تعلّم الدرس جيّداً.
لقد عرف السيد ديمون زهاريس أن السعي للكمال التام عقبة غير مرئيّة تقف دائماً في طريقه فقرر أن يكتب عن تجربته تلك والدرس البليغ الذي تعلّمه منها.
في الكتاب إيّاه توقفت عند تصنيف الكمال، إذ صنّفها المؤلف إلى أنواع متعددة لكنها تجتمع في فرعين رئيسين هما الكمال التكيّفي والآخر اللا تكيّفي. سأحكي اليوم عن النوع الأول. الكمال التكيّفي. وهو أن يسعى الشخص إلى تحقيق معايير عالية وضعها هو لنفسه مع الاعتراف بأن توقع الوصول إلى الكمال الحقيقي أمر غير معقول لهذا يشعر بالرضا عند بذل مجهود شديد نحو تحقيق الأهداف.
الآن.. يبدو أن الصورة قد باتت أكثر وضوحاً، فالكمال التكيّفي بكل اختصار يعني أن يبذل الفرد جهده لتحقيق أمر كان قد خطط لتنفيذه بعد التعرّف والاعتراف بقدراته وتكيّف تماماً مع جميع الصعوبات التي قد تعترض مسيرته نحو تحقيق الهدف مع الأخذ في الاعتبار خفض سقف توقعات النهاية. إذا تم الوصول للمبتغى أو معظمه فهو الرضا والحمد. أما إذا لم يتم الكمال الحقيقي وهو لم يوضع أصلاً في الحسبان فقد تم توطيد النفس على قبول النتيجة.
قبل نقطة آخر السطر المعتادة أتساءل: كم من فكرة أو مشروع كان سيخدم البشريّة تم وأده بسبب فرد أخفق في المحاولة الأولى وكان قد قرر مُسبقاً إمّا الكمال التام وإلا بلاش منه.