عبده الأسمري
يأتي الموت باسطاً رداءه الحتمي ليضيف إلى «قوائم» الراحلين و»قوافل» المغادرين «أرقام جديدة» و»أحداث متجددة» وأنباء متتالية تؤدي إلى نبش «الجزء المؤلم» من الذاكرة وإضافة حدث جديد.
نتفاجأ بين حين واخر بمواجع «الفقد» التي لا تستثني أحداً ووسط هذه الضرورة «القدرية» والحتمية «الحياتية «يمكث الإنسان بين مد «التوقع» وجزر» الواقع» ويبقى رهيناً لبصائر من «الصبر» أو مصائر من «الوجع» منتظراً بشائر من «الجبر» تتأرجح ما بين النسيان والسلوان وتتباين في مستويات من الاكتساب والاحتساب.
تأتي قوة «الإيمان» لتبسط نفوذها في معركة البشر مع الموت وتتوالى الابتلاءات ما بين عقبات «الألم» وعواقب «الأمل» وتتفاوت قدرات الإنسان في الخروج من «أعماق» الأزمة إلى «آفاق» الهمة ما بين حزن مسيطر أو فرج منتظر.
من الحتمي والضروري والمستوجب في وقائع «الموت» أن يتم تدريب وتأهيل «الأنفس» على الصبر وأن يكون لدى الإنسان «مناعة نفسية» مهيأة لاستقبال «صدمات» الفجائع مما يسهم في رفع مستوى «الإيمان بالقضاء والقدر» والذي يعد أحد الأركان التي يبنى عليها «صرح» الايمان وتختلف فيها درجات المؤمنين باختلاف التزامهم بهذا الركن الهام والذي يرتبط بالحياة بشكل أكيد ويترابط مع النجاة في اتجاه مؤكد.
يجب أن يكن لدى الإنسان «ثقافة» عن الموت حتى يحول صدمات «الفقد» الواقعة إلى «أدوات» قادمة للسلوان تقوي النفس وتدعم الروح وتعزز التعامل مع الأزمات «المتوقعة» وتحفز التأقلم مع المواجع «المحتملة».
على الإنسان أن يتدرب على «إدارة الأحزان» من خلال «الوعي» بثقافة الموت والتواؤم مع تداعياتها وخلفياتها ونتائجها مما يكرس «مفهوم» جديد للخروج من متاهات «الضيق» إلى مساحات «الفرج» مع ضرورة «السعي» في إعانة المتوفي واغاثة الراحل ونفع الميت بأفعال متاحة تسهم في تخفيف المصاب وتساهم في منفعة الفقيد.
يدخل العديد من المصابين بفجائع «الموت» في دوامة من الحزن قد تمضي بهم إلى استدامة من الشعور وقد يتجه بعضهم إلى «العيادات النفسية» للحصول على عقار «مهدئ» أو دواء «مسكن» لتهدئة الأعصاب ووقف التفكير ووأد التذكر وهزم الاكتئاب فتتأقلم أعصابه مؤقتاً بفعل «المثبطات» العلاجية التي تستهدف الخلايا العصبية ولكنه سرعان ما يعود إلى «نوبات» متجددة في أي فاجعة جديدة تعيده إلى «المربع الأول» من الألم؛ لذا فإن البحث عن مخرج يستوجب وجود إدارة «ذاتية» للأحزان تردم «هوة» الألم وتملأ «فراغ» الهم وتطمس «فجوة» الغم..
هنالك طرائق من الإحسان تسهم في حصد «السلوان» وجلب «النسيان» تعتمد على «التذكر» الإيجابي المرتبط بالذكر والمترابط مع مجموعة من الأعمال ومنظومة من المحاسن من خلال الدعاء المستديم والصدقة الدائمة وفتح «مسارات» مستديمة من الحسنى تعتمد على «حضور» الفقيد في «الأدعية» ووسط» الأذكار» وبين «الصدقات» وفي كل اتجاه خيري رغماً عن «غياب» الجسد حتى يشعر الإنسان جلياً بتواجد الراحل في ثنايا «العطايا» وحتى يرتب «الجبر» مواعيده على أسوار «الذكرى» بعيداً عن التهويل من الفاجعة والتأويل في المصيبة.
تقتضي إدارة الأحزان أن تكون هنالك «ثقافة» مثلى للموت تستبعد «السواد» من مساحات العيش وتلغي «الحداد» من ساحات التعايش باستثناء ما نص عليه ديننا الحنيف من أصول النعي وفصول العزاء وتفاصيل الوفاة وما يندرج على ضوئها شرعياً من حقوق «الميت» على أسرته ومتطلبات «الراحل» بعد موته..
للموت «تداعيات» متعددة تقيم «سرادق» العزاء في القلوب قبل الأماكن وعلى الإنسان الحصيف أن يستعين بقوة «الصبر» حتى ينال حظوة «الجبر» وعلى كل مخلوق أن يراجع أسماء الراحلين بشكل مستديم وليسبغ على أرواحهم بحلاوة «الصدقات» وطلاوة «الحسنات» وأن يعلم أنهم في «برزخ» امن بين يدي لطيف حنان منان كريم جواد ولكنهم في حاجة إلى تذكر مرتبط بالعطاء حتى تكون قبورهم «مضاءة» بأفعال «الأحياء» مع ضرورة اليقين بأن كل سخاء لهم سيبدد ظلمة «الغياب» بواقع «العون» ووقع «النفع».