فضل بن سعد البوعينين
تُسخر المملكة كامل إمكانياتها المالية، وطاقاتها البشرية، وخططها التنموية لضمان حماية ضيوف الرحمن، وتمكينهم من أداء نسكهم بيسر وطمأنينة، وإنجاح موسم الحج وتقديم أرقى الخدمات تقرباً إلى الله، وأداءً لأمانة الإشراف على الحرمين الشريفين، وخدمة لضيوف الرحمن، التي شرفهم الله بها.
جهود مباركة، تتكرر في كل عام، وتتطلب مزيداً من التنظيم، والبرامج الاستراتيجية، والإنفاق، والجاهزية، والاستعداد الدائم الذي يبدأ مباشرة مع نهاية كل موسم حج، تحسباً للموسم الجديد.
جعلت المملكة عمارة الحرمين الشريفين، وتطوير المشاعر، في مقدمة أولوياتها التنموية، والتزاماتها المالية. مئات المليارات أنفقتها على توسعة المشاعر المقدسة، وتطويرها، وتحقيق أمن، وسلامة ضيوف الرحمن، تقرباً إلى الله، وطمعاً في المثوبة والأجر، وفق رؤية استراتيجية، ومراحل توسعة تكاملية، ومنها التوسعة الثالثة التي دشنها الملك سلمان بن عبدالعزيز عام 2015، التي تستهدف رفع الطاقة الاستيعابية لزوار بيت الله الحرام إلى 30 مليون معتمر بحلول 2030، تماشياً مع أهداف رؤية 2030، وبتكلفة تُقدر بـ100 مليار دولار.
وزير الإعلام، سلمان الدوسري، أكد في تصريحات صحافية بأن خدمة حجاج بيت الله الحرام هي أهم واجب تقوم به البلاد خلال العام، وأن «الحكومة السعودية تستنفر كل طاقاتها وقدراتها، دون حساب لأي تكاليف؛ لضمان موسم آمن، يؤدي فيه ضيوف الرحمن مناسكهم بيسر وطمأنينة، مسخّرة في ذلك أحدث التقنيات للتيسير عليهم» وهذه هي الحقيقة الثابتة التي يجب أن يُصدع بها لتصل إلى مسامع الجميع، وفي مقدمتهم الذين يتعاملون مع موسم الحج بمفهوم اقتصادي قاصر.
تختلف فلسفة الاستثمار في مشروعات الحرمين الشريفين عن فلسفة الاستثمار القائمة على الربح والخسارة، فمن حيث العائد على الاستثمار نجد أن مشروعات الحرمين تركز على المنفعة التي يحصل عليها الحجاج والمعتمرون، لا العوائد المالية المتأتية منها، فما ينفق على مشروعات الحرمين الشريفين، وخدمة ضيوف الرحمن، يفوق بأضعاف مضاعفة العوائد المالية التي يتحدث عنها المتخرصون، والتي لا يدخل خزينة الدولة منها شيء.
الإنفاق السخي، ومشروعات توسعة الحرم، وتطوير المشاعر قد لا تضمن تحقيق هدف الحج الآمن، بمعزل عن الجهود الأمنية المحكمة، والتشريعات المنظمة لمواسم الحج، وتحديد عدد الحجاج وفق القدرة الاستيعابية للمشاعر، والأنظمة الحازمة التي تمنع تسيس الحج، وتحويله إلى تظاهرات سياسية متعارضة مع مقاصد الحج.
الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي، أوضح في خطبة عرفة، أن الشارع الحكيم اكد وجوب المحافظة على الضرورات الخمس، خاصة في المواطن الشريفة، واعتبر أن التعدي عليها جريمة تكون سببًا للعقوبة. يمكن تصنيف محاولة الحج بلا تصريح ضمن نواقض المحافظة على النفس، بل ومن جرائم التعدي عليها، وهو ما تسبب في وفاة نحو 1080 يشكلون ما نسبته 83 % من مجمل وفيات الحج البالغة 1301، نتيجة المشي لمسافات طويلة تحت أشعة الشمس، بلا مأوى ولا راحة، بينهم عدد من كبار السن ومصابون بأمراض مزمنة، نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة. ومن المؤسف تسبب بعض متصدري الفتوى من الحزبيين، وشركات السياحة الأجنبية، الذين أجازوا الحج دون تصريح وشجعوهم على مخالفة الأنظمة، في وفاتهم المؤلمة. فهم شركاء في إزهاق أرواحهم ويجب أن يتحملوا مسؤولياتهم شرعاً ونظاماً، كما يجب على الدول حماية حجاجها من خلال ضمان تطبيقهم الأنظمة والالتزام بالتعليمات الموجهة لحمايتهم والحفاظ على أرواحهم، وردع كل من تسول له نفسه الاحتيال على الحجاج أو الإضرار بهم.
أمن الحج خط أحمر لا يمكن التهاون في تحقيق متطلباته، وهو ما تقوم على تحقيقه قوات أمن الحج المستعدة لردع كل من تسول له نفسه تعكير أمن الحج أو الإخلال بالأنظمة، أو مزاحمة الحجاج النظاميين والتعدي على حقوقهم.
توفير الدولة لمقومات النجاح بما فيها الطاقات البشرية والتقنية، وبرامج الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى جاهزية قوات أمن الحج، وتنفيذها الخطط الأمنية باحترافية متوافقة مع معايير الكفاءة والجـودة في التخطيط والتنظيم ساهم في نجاحٍ حج هَذَا العَامَ وحجب التحديات الطارئة والسيطرة عليها قبل حدوثها، وإلزام بعثات الحج بالتفرغ للعبادة والبعد عن تسييس الحج، أو الإخلال بالأمن.
وكان للإعلام دور رئيس في تحقيق النجاح، وإيصال الرسائل الإعلامية للداخل والخارج، إضافة إلى تناغم الرسالة الإعلامية والتوجيهية الصادرة من جهات حكومية مختلفة ما يعني وجود الاستراتيجية الإعلامية لإدارة موسم الحج، والرد الضمني على الحملات الموجهة التي استهدفت المملكة، والتشكيك في جهودها وما تقدمه لخدمة الإسلام والمسلمين، بالتصريحات الرسمية حيناً، وبالقصص الإعلامية والفيديوهات الناقلة لمشاعرهم الصادقة حول التنظيم والخدمات المقدمة، التي نجحت منظومة الإعلام السعودية في إنتاجها ونشرها على نطاق واسع.