أسامة الفريح التميمي
تعد مهنة التعليم واحدة من أهم المهن، وربما أقدسها في العالم أجمع، حيث إن جميع المهن الأخرى مهما بلغت وتنوعت لم تكن من دون وجود المعلم، ذلك المربي الأول الذي يسهم في دعم كل نجاح اقتصادي واجتماعي للمجتمع، والأهم دعم جانب القيم والمبادئ من خلال التربية والتعليم، ومن خلال الواقع نجد أن تأثير المعلم في حياة كل فرد يأتي بعد الوالدين، وأحياناً يفوق دور الوالدين، خصوصاً في حالات فقد الفرد أمه أو أباه.
والحقيقة أن مهنة المعلم في المملكة العربية السعودية لا تزال من المهن المرموقة، وذلك بفضل دعم القيادة الحكيمة، والاهتمام الذي يبديه ولاة الأمر - حفظهم الله - بالتعليم وبالمعلم، وبالعملية التعليمية ككل؛ الأمر الذي أوجد لدى المعلمين حبهم لهذه المهنة وتفانيهم في خدمة مجتمعاتهم، وحرصهم على تطوير مهاراتهم، رغم مشقة ذلك في ظل تنوع مشارب الطلاب، وتعرضهم للثورة الرقمية والتكنولوجية، إلا أن ذلك لم يمنع المعلمين من حمل الأمانة، وبذل كل الجهود أثناء عملية التعليم والتعامل مع الطلاب بأساليب تربوية حديثة، وتجدهم يسعدون كثيراً عندما يجدون الإنجازات من خلال طلابهم.
والمعلم في رؤية 2030 هو قدوة لطلابه بشكل خاص وللمجتمع بشكل عام، ولذلك يجب أن يبرز ذلك من خلال الاهتمام به وتطوير قدراته ومهاراته، والعمل على تأهيله بأفضل الطرق والسُبل. وذلك لأهمية الدور الذي يقوم به في العملية التعليمية والتربوية. ولكن على الرغم من أهمية مهنة التعليم وقدسيتها إلا أننا نجد النقص الكبير في أعداد المعلمين، وخاصة في بعض التخصصات المهمة في المواد العلمية والتربوية (رياضيات، فيزياء، كيمياء، لغات أجنبية ..) والتربية الفنية، والحاسب الآلي، واللغة الإنجليزية.
فقد أصبحت وظائف التعليم لا تجد من يقبل عليها في بعض دول العالم، رغم مكانة هذه المهنة وعلاقتها الإيجابية بالأفراد والأسر في المجتمع، ولذلك أصبح من الأهمية بمكان الاهتمام بهذه المهنة لتحقيق أعلى مستويات المنافع الاجتماعية والاقتصادية وغرس القيم الدينية والاجتماعية والإنسانية بصورة عامة.
ومن هذا المنطلق دعت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو، بمناسبة اليوم العالمي للمعلمين، الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى زيادة دعمها للمعلمين، محذرة من معاناة هذه المهنة في الاحتفاظ بقوتها العاملة واستقطاب مواهب جديدة. حيث يحتاج العالم إلى 69 مليون معلِّم من أجل التمكن من توفير التعليم الأساسي للجميع بحلول عام 2030، حيث تشير تقديرات اليونسكو إلى الحاجة إلى 24.4 مليون معلم إضافي في المرحلة الابتدائية، و44.4 مليون معلم إضافي للمرحلة الثانوية من أجل التمكن من توفير التعليم الأساسي للجميع بحلول عام 2030 .
أما في المملكة العربية السعودية، فتشير التقديرات إلى احتياج يقدر بنحو 252 ألف معلم وإداري ومدير في المدارس الحكومية والخاصة بحلول عام 2030 من أجل تلبية الرؤية الإستراتيجية الموضوعة للمنظومة التعليمية في المملكة.
ولا شك أن النقص في أعداد المعلمين ينتج عنه زيادة النصاب التدريسي للمعلمين، فينوء المعلم بأعباء أخرى يقوم بها، وربما يكلف ببعض الأعمال الإدارية أيضاً كاستلام الكتب والمواد من المستودعات وجردها، ومساعدة ومساندة الوكلاء في المدرسة، والقيام بأخذ غياب وتأخر الطلاب، واستدعاء أولياء الأمور، وأخذ تعهدات على الطلاب... وغيرها. وقد يكون لهذه الأعمال أثر سلبي على عمله الرئيس، حيث إن العبء التدريسي وزيادته يؤثر في كفاءات المعلم الشخصية والتعليمية. كما أن المهام الإدارية للمعلم في المرحلة الأساسية تؤثّر في الإبداع وفي تدريسه والتخطيط والتقويم وتنفيذ الدرس.
أيضاً تتعدد الآثار التربوية والاقتصادية للعجز في أعداد المعلمين، حيث يساهم عدم وجود عدد كافٍ من المعلمين بالمدارس في ارتفاع معدل الفصول ذات الكثافات المرتفعة، وانخفاض جودة التعليم ومستوى التعاون بين المعلمين بالمدارس، وتدني نتائج الطلاب التحصيلية.
وفي المملكة العربية السعودية نفذت شركة «تطوير» مشروع الفصول الإلكترونية كمرحلة أولى تجريبية في العام الدراسي (1435- 1436هـ), على مادتي العلوم والرياضيات للصف الأول المتوسط في عشر مدارس موزعة على ثلاث مدن، للتغلب على نقص المعلمين في المدارس، ورفع مستوى التدريس لدى المعلمين، وتوفير معلمين عند الحاجة، ولكن لم يتم السير قدماً في هذا المشروع على الرغم من وجود مشكلة نقص المعلمين في المدارس.
وتلافياً لهذه المشكلة التي تحدثت عنها تقارير اليونسكو، ومن خلال ملاحظاتي في واقع العمل الميداني في التعليم اقترح العمل على دمج المعلمين والمعلمات في المدارس في جميع المراحل لمعالجة العجز في بعض التخصصات العلمية المهمة، حيث إن عملية دمج المعلمين والمعلمات سوف يؤثر إيجابياً في العملية التعليمية بكل من فيها من طلاب ومعلمين لأنه سيعوض حالات النقص وخاصة في أعداد المعلمين من المعلمات التي تتوافر أعدادهن أكثر من المعلمين.
ثانيًا، سيؤدي دمج المعلمين والمعلمات المؤهلين إلى الحد من تهديد الفاقد التعليمي الكفؤ، والمتمثل في المعلم والمعلمة بما يساعد الطلاب على التعلّم واكتساب المعرفة في وقتها ودون وجود فاقد تعليمي، وبالتالي تحسين مستوى كفاءة العملية التعليمية ككل.
ثالثًا، دمج المعلمين والمعلمات للحد من النقص في بعض التخصصات سيؤدي إلى توفير الموارد الاقتصادية والمادية التي كانت لتهدر لو لم يتم تعويض الفاقد التعليمي في المدارس في بعض التخصصات العلمية المهمة من خلال الاستفادة من أعداد المعلمين أو المعلمات الزائدة في بعض المدارس، ولرفع جودة التعليم، والاقتصاد في المباني التعليمية.
وتأكيداً لأهمية التوجه في الدمج سعت المشاورات العالمية الأخيرة في إطار قمة تحويل التعليم (2022)، إلى الحد من النقص العالمي في عدد المعلّمين، من خلال قيام الحكومات بالعمل على تعزيز المساواة بين الجنسَين في مهنة التدريس ومعالجة أوجه التحيُّز بين الجنسَين في مختلف مستويات التعليم والتخصُّصات، ودعم المرأة لتولّي أدوار قيادية في المهنة التعليمية. والعمل على تطوير عمليات تأهيل واعتماد أكثر مرونة تتيح إنشاء مداخل متعددة لجذب المزيد من الأشخاص المؤهَّلين إلى الانضمام للمهنة التعليمية، مع الحفاظ على معايير الجودة.
الخلاصة، الحاجة إلى الدمج هي حاجة تتعلق بمستقبل التعليم في المملكة ومستقبل النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، حيث إن الاستفادة من الطاقات التعليمية المتمثلة في المعلمات إلى جانب المعلمين يصب في صالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق رؤية المملكة 2030 لبناء المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح.