خالد أحمد عثمان
بحمد الله، وتوفيقه، انتهى موسم حج هذا العام 1445هـ (2024) بنجاح كبير مشهود دون أي عراقيل أو حوادث أو أوبئة. وقد تحقق ذلك بفضل الله تعالى وتوفيقه ثم باهتمام ورعاية الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، فقد جندت الدولة كعادتها في كل موسم حج إمكانياتها وطاقاتها البشرية والمادية والتقنية من أجل توفير كل أسباب التيسير والراحة والأمن لضيوف الرحمن وسبق أن وسعت الحرمين الشريفين ووسعت المسعى والمطاف وطورت المشاعر المقدسة وأقامت المرافق والمنشآت الحيوية في المشاعر المقدسة التي أسهمت بفعالية في تيسير أداء الحجاج مناسكهم مثل مرافق إمدادات الماء والكهرباء والخدمات الصحية والطرق والجسور والأنفاق وقطار المشاعر وقطار الحرمين السريع الذي يربط بين مكة المكرمة بالمدينة المنورة وغير ذلك من المنشآت والمرافق التي انفقت الدولة المليارات من الريالات في سبيل انشائها. ووفقاً لبيان الهيئة العامة للإحصاء بلغ إجمالي أعداد الحجاج هذا العام (1.833.164) حاجاً منهم (1.611.3110) حجاج قدموا من خارج المملكة العربية السعودية عبر المنافذ المختلفة فيما بلغ عد حجاج الداخل (221.854) حاجاً من المواطنين والمقيمين.
وارتدت إلى نحور الحاقدين اراجيفهم الهادفة إلى بث الاشاعات الكاذبة لتعكير صفو الحج كما باءت بالإخفاق الذريع دعوات التحريض على تسيس الحج وإخراجه من نطاق الأحكام والآداب الشرعية. فلا صوت يعلو سوى صوت التلبية، ولا شعار أقدس من التكبير والتهليل، ولا حج بلا تصريح وتنظيم، ولا تنظيم إلا بخطط موضوعة وقانون.
وتدعوني هذه المناسبة إلى أن اجدد الاقتراح الذي طرحته في مقالات سابقة قبل بضع سنين بأن تدرج كليات القانون في السعودية في مناهجها مادة تسمى (قانون الحج والعمرة).
وأقصد بهذا القانون جميع الأنظمة واللوائح والقرارات التي أصدرتها الدولة والمتعلقة بشؤون وخدمات ومرافق الحج والعمرة والزيارة، ومنها:
1 - آلية اصدار تصاريح الحج للمواطنين والمقيمين واختيار حملات الحج.
2 - الشروط والمواصفات الخاصة بإنشاء وتجهيز المخيمات بالمشاعر المقدسة.
3 - نظام المنازل المعدة لإسكان الحجاج ولائحته التنفيذية.
4 - نظام خدمات حجاج الداخل.
5 - نظام نقل الحجاج واعادتهم إلى بلادهم.
6 - نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج ولائحته التنفيذية.
7 - اللائحة التنظيمية لمنع غير السعوديين من التعامل في مجال إسكان الحجاج والمعتمرين والزوار.
8 - اللوائح التنظيمية لمؤسسات أرباب الطوائف (المطوفون، الأدلاء، الزمازمة، الوكلاء)
9 - تنظيم خدمات المعتمرين وزوار المسجد النبوي الشريف القادمين من خارج المملكة.
10 - تنظيم معاملة القادمين للمملكة بتأشيرات دخول للحج أو العمرة وغيرها.
11 - نظام استضافة ضيوف خادم الحرمين الشرفين في الحج والعمرة.
12 - نظام نقابة السيارات.
ومن ناحية أخرى، فإن لقانون الحج والعمرة جانبا دوليا جديرا بشرح تفصيلاته في مناهج دراسة هذا القانون ويتمثل في النقاط التالية:
1 - الحق السيادي الحصري للسعودية في إدارة وتنظيم الحج الذي يستند إلى مبدأ السيادة الإقليمية المستقر في القانون الدولي وبمقتضاه تكون حماية دور العبادة وتنظيم إجراءات وسبل الوصول إليها بغرض الزيارة وأداء الشعائر الدينية وفقاً للدساتير والقوانين الداخلية للدول التي تقع في أقاليمها هذه الدور. ولقد قررت المادة (24) من النظام الأساسي للحكم في السعودية بأن (تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفر الأمن والرعاية لقاصديها بما يمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة).
وفي حفل الاستقبال السنوي لقادة الدول وكبار الشخصيات الإسلامية وضيوف خادم الحرمين الشريفين الذي أقامه هذا العام الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، شدد سموه على هذا الاختصاص العظيم الذي اختص الله عز وجل به المملكة حيث قال (إننا في السعودية نشكر المولى عز وجل أن شرفنا بخدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة والعناية بقاصديها والحرص على أمنهم وسلامتهم) مؤكداً الاعتزاز (بمواصلة القيام بهذا الواجب العظيم وبذل الجهود وتسخير جميع الإمكانات لتوفير سبل الراحة لضيوف الرحمن منذ قدومهم حتى مغادرتهم إلى ديارهم سالمين غانمين).
2 - طبقاً لمبدأ السيادة الإقليمية ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية المستقرين في القانون الدولي العام تلتزم الدول وحجاجها بعدم استغلال موسم الحج لأغراض سياسية أو حزبية أو مذهبية أو أي غرض آخر من شأنه المساس بسيادة الدولة السعودية أو التدخل في شؤونها الداخلية أو تعكير صفو الحج.
3 - حق السعودية بموجب القانون الدولي العام في إبعاد أي قادم للحج أو العمرة أو الزيارة ينتهك أحكام الأنظمة السعودية المرعية.
4 - آلية تحديد نسب حجاج كل دولة.
5 - مشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من الهدي والأضاحي وتوزيع لحومها على مستحقيها من فقراء الحرم ونقل ما يفيض منها إلى فقراء الدول الإسلامية، ويتولى البنك الإسلامي للتنمية مهمة تنفيذ وإدارة هذا المشروع.
وصفوة القول أن الدولة السعودية وقيادتها تعتبر خدمة الحجاج والمعتمرين والزوار شرفاً لها وواجباً فرضه الله عليها، وهي لذلك تبذل كل ما في وسعها في سبيل أداء هذه الخدمة على الوجه الأمثل، ومن ناحية أخرى ان مواسم الحج والعمرة تعتبر مواسم اقتصادية تنشط فيها الحركة التجارية لمؤسسات وشركات القطاع الخاص مما يدر عليها إيرادات جيدة، وترتيباً على كل ما تقدم فأن من المنطقي أن يدرس طلاب كليات القانون في السعودية القانون الذي ينظم الشؤون والخدمات المتعلقة بالركن الخامس للإسلام.
** **
- محام وكاتب سعودي