د. محمد بن إبراهيم الملحم
هذا عنوان كتاب هو من أسهل الكتب التي يمكن لأحد أن يؤلفه لو أراد، فكل ما عليه هو أن يستعرض المحتوى الذي يخرج بعد حج كل سنة والذي يخترع فيه سيناريوهات لكيفية موت الحجاج في موسم ذلك الحج ويتعرض لحكومة المملكة بأصابع الاتهام التي تنزف كذباً وزوراً، فعلى الرغم من كل الإنجازات العظيمة التي توليها حكومتنا الرشيدة لتهيئة موسم حج ناجح سنوياً سواء كانت في الإنشاءات العظيمة (والمستمرة) أو الكوادر البشرية التي يتم ضخها في مختلف القطاعات أو الخطط التي صنعتها خبرات السنين في إدارة الحشود والتعامل مع الأزمات، فكل ذلك مهما سد عين الشمس فإنه غائب كلياً في منطق هؤلاء الموتورين والحاسدين والمغرضين، دولاً كانت أو جماعات وأفرادا، بل إننا لن نبالغ لو قلنا إنه لو كان هناك من نقد لمجال معين من مجالات الخدمات (ولا بد أن يكون فادعاء الكمال منقصة) فإن الإنجازات العظيمة الأخرى تلغي أي نقد ويستحي صاحب ذلك النقد أمام ضخامتها وتعددها أن يتفوّه بأي نقد، بل سيسبقه لسانه النظيف بالشكر والثناء، ولكن هذا ليس إلا خلق أصحاب الرقي والعدالة والنضج والشرفاء من الناس، أما من سلّموا عقولهم للهوى ودسوا أخلاقهم في خطيئة «الغاية تبرر الوسيلة» فقد كذبوا على أنفسهم أولاً وأقنعوا أنفسهم أولاً بما سينطلق به زورهم ثم تفوهوا به وكتبوه ونشروه، ذلك أني أثق أنهم في داخلهم يعلمون تمام العلم أن خدمة الحجاج والقيام بواجبهم أصبح عادة سائدة وتقليداً مستمراً تقوم به الحكومة والشعب معاً، وليست مهمة عسيرة أو عبئاً ثقيلاً أو شيئاً مفاجئاً أو قضية مزعجة، يعلم الجميع أن خبرة المملكة وقدراتها تتجاوز كل احتمالات الإهمال فكيف بمن يحاول أن يلبسها طاقية «تعمد» الإهمال الممزقة والتي ينكشف زيفها من بعيد، وإني أستغرب ممن يحاول أن ينجح سياسياً في مناهضة المملكة ويتجه إلى موسم الحج ليختلق فيه الأكاذيب أو حتى يضخم فيه من حوادث طبيعية ليجعل منها محتوى هجومياً، وأقول طبيعية لأن تجمعات ضخمة أقل من هذه وضمن بيئة محدودة جغرافياً وثقافياً فإنك تبدأ العمل في إدارتها متوقعاً حوادث بمختلف المجالات، فما بالك بمثل هذا التجمع المهيب العالمي في جغرافيته والعالمي في ثقافاته والعالمي في تأثيره، فكل عاقل متزن يفهم ماذا يعني هذا الجمع العظيم وما مترتباته، ولذلك فإن عقلاء العالم (مسلمهم وكافرهم) لا يلتفتون إلى دعايات غبية غير مدروسة ويفلترونها أول ما تظهر فواً لما تقدّم ذكره من منطق إداري بسيط، بينما مصدرو الزور السياسي يقدمون فشلهم مغلفاً في هجومهم الغبي، فقد كان اختيار الهدف أصلاً خاطئاً، ولذلك لن يكون هناك خسائر مهما كان حجم المدفع الذي يرمي ذلك الهدف، إذن هي مناورة سياسية غبية وفاشلة قبل أن تنطلق، لقد فشلت منذ أن تم تحديد الهدف «الحج».
إن هؤلاء الأغبياء سياسياً لم يفشلوا في مهمتهم السنوية فقط ولم يساهموا في الكتاب الافتراضي «كيف تقتل الحجاج»، بل إنهم هم أنفسهم قتلوا الحجاج بهذه الاتهامات، لقد صوّروا رجلاً نائماً على الرصيف وطلعت عليه الشمس ولم يستيقظ ويمر جواره الناس وهو مستلق في مكانه لتلتقطه كاميرا الزور وتعلّق عليه أنه توفي إلى رحمة الله، ونحن جميعاً نعلم ورأينا وشاهدنا مثل هذا المنظر كثيراً في مكة سواء في الحج أو العمرة، فهؤلاء بعضهم قرويون تعودوا على النوم بهذه الطريقة في مزارعهم أو أماكن عملهم واقتنصها صنَّاع الزور ليقتلوهم بها، وبعضهم ألجأتهم الحاجة وأنهكهم التعب إلى الدرجة التي لا يشعر فيها بمن يصوره ليقتله بهذه الصورة في زوره الذي يبثه للناس ويظهره فيها ميتاً كأنما هو يتساءل: من قتل هذا، بينما الذي قتله في الواقع (وهو حي) هو صاحب الكاميرا نفسه.
هل لم يمت أحد بالطبع بلى، فهناك موتى بدون شك ولا بد أن يكون، بل إن موسم رمضان وهو أقل من الحج تعقيداً ومكانياً يشهد وفيات كثيرة جداً جداً كما يلاحظه كل معتمر يطيل إقامته بها للصلاة والعبادة، فكيف بموسم الحج العظيم المهيب، هناك حوادث هناك كبار سن ومرضى، بعضهم أهلكم المرض حينما اجتمع مع التعب والإرهاق وبعضهم من الإهمال الذاتي لسلامته واتباع ما يحميه من غائلة الهلاك في مثل هذه الظروف سواء كان مخالفاً أو تاركاً لحملته أو قصّرت حملته في واجباته فكل هذه عوامل تحدث سنوياً بدون شك، والمشكلة ليست هنا، ليست في موت الحجاج، بل فيمن يقتل الحجاج إعلامياً بينما هم أحياء، وتقبل الله حجكم وعبادتكم ولا عزاء للأغبياء سياسياً.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً