نجلاء العتيبي
تسير على شاطئ البحر، تستنشق الهواء المالح، وتشعر برذاذ الأمواج على وجهك، تتجوَّل بين المتاجر الصغيرة المتناثرة على طول الطريق، كل متجر يعرض مجموعة متنوعة من الهدايا التذكارية الجميلة، تُقرِّر شراء هدية مميزة، تجد نفسك أمام طوفان من الخيارات الراقية. رفوف مليئة بالأصداف الملونة، والمنحوتات الخشبية، والمجوهرات اليدوية، في البداية، تشعر بالإثارة والحماس، ولكن سرعان ما يتحوَّل هذا الشعور إلى نوعٍ من الضغط الداخلي، قلبك يتسارع وأنت تتأمَّل كل قطعة، محاولةً منك لاختيار الأفضل، كل خيار يبدو وكأنه يحمل وعدًا خاصًّا، وكل تفويت يبدو وكأنه خسارة.
تشعر وكأنك عالقٌ بين الأمواج، تتقاذفك الأفكار من جانب إلى آخر، «ماذا لو اخترت هذه الأصداف؟ ولكن تلك المجوهرات تبدو جميلة أيضًا. ماذا لو اشتريتَ المنحوتة الخشبية؟ هل سأندم لاحقًا على عدم اختيار شيء آخر؟» تتعمَّق فيَّ هذه التساؤلات حتى يبدأ الشعور بالقلق يطغى على متعة التجربة. عندما تتخذ قرارك أخيرًا وتختار شيئًا، تجد نفسك غير قادر على التخلُّص من تلك الشكوك، حتى بعد مغادرتك المتجر، تبقى تُفكِّر فيما تركته خلفك، وما إذا كنتَ قد اتخذت القرار الصائب، تفقد الهدية جزءًا من سحرها؛ لأنك عالقٌ في دوَّامة من التردُّد والندم المحتمل. هذه هي مفارقة الاختيار، المعروفة أيضًا بـ»paradox of choice»، هي مفهوم نفسي واجتماعي يشير إلى أن وجود العديد من الخيارات يمكن أن يُؤدِّي إلى نتائج سلبية بدلًا من تحسين تجربة اتخاذ القرار، صاغ هذا المفهومَ عالمُ النفس باري شوارتز في كتابه: «The Paradox of Choice : Why More Is Less».
في سعينا لتحقيق الكمال في اختياراتنا، نفقد جزءًا من اللحظة الراهنة، بدلًا من الاستمتاع بالحرية، نجد أنفسنا مُقيَّدين بالقلق والتردُّد، وتتحوَّل متعة الاختيار إلى عبء ثقيل على أرواحنا.
يتحوَّل الحماس الأوَّلي إلى شعور مرهق ثقيل، تبدأ في الشعور أن اختيارك يجب أن يكون مثاليًّا، وأن أيَّ خطأ في هذا الاختيار سيُؤدِّي إلى خيبة أمل، في النهاية، تختار شيئًا كان مناسبًا منذ البداية، لكن بمجرد أن تغادر المتجر، تبدأ في التساؤل: هل كان يجب أن أختار نوعًا آخر؟
هذا الضغط المستمر يجعل من الصعب علينا الاستمتاع بالأشياء؛ لأن هناك دائمًا احتمالًا أن يكون هناك خيار أفضل، هذا هو جوهر مفارقة الاختيار: في عالم مليءٍ بالخيارات، يمكن أن تتحوَّل الحرية إلى عبء، ونجد أنفسنا محاصرين بين الرغبة في تحقيق الكمال والخوف من الندم.
الشعور بهذا العبء يمكن أن يحرمنا من الاستمتاع بالتجربة نفسها، بدلًا من أن نشعر بالحرية، نصبح عبيدًا للخيارات المتعددة، هذه المفارقة تُبرز أهمية التوازن والاعتدال في حياتنا، فالقليل من الخيارات قد يكون كافيًا لتحقيق السعادة والرضا، دون الحاجة إلى الكم الهائل من البدائل.
الأمر يمتدُّ إلى جوانب مختلفة من حياتنا، بدءًا من التسوُّق وحتى قرارات الحياة الكبيرة، إدراك هذه المفارقة يُمكن أن يُساعدنا في تبسيط حياتنا، والتركيز على ما هو مهم حقًّا؛ ما يُعزِّز شعورنا بالرضا والسلام الداخلي.
ضوء
«وتكمن أقسى تحدياتنا في الاختيار».
نور عبدالمجيد