د. عبدالحق عزوزي
نقول دائما للطلبة في الجامعات إن غرض كل علم كيفما كان نوعه هو تنمية المجتمع، فمهمة الباحث الأولى هي كيف يمكن أن يدلي بدلوه في تحقيق التنمية والنماء داخل المجتمع؛ ولكن في الولايات المتحدة الأمريكية خلافا لأوروبا والقارات الأخرى، نجد أن هذا التواصل بين الباحث والمجتمع هو تواصل الروح بالجسد وتصرف عليه الملايين من الدولارات، كما أن عملية تنقيط الأساتذة والزيادة في رواتبهم تتم أكثرها من خلال تقييم اللجان الدقيقة في مدى مساهمة الأستاذ الجامعي ليس فقط في عمليات التلقين والتدريس، ولكن في عمليات البحث والتأليف، وليس كل التأليف ولكن تلك التي لها صلة مباشرة في التأثير على المجتمع....
فالعلم ليس فقط للحفظ والتلقين كما هو دأب مؤسساتنا الجامعية في الوطن العربي، وإنما هو للإنتاج، وهو الذي مكن دولا مثل أمريكا من الحصول على جل جوائز نوبل وفي كل المجالات، وعلى التأثير الإيجابي على صناع القرار في التأصيل لسياسات عمومية رائدة، بل ومكنت دولا لم تكن تعرف جامعات حديثة قبل نهاية الحرب العالمية الثانية مثل سنغافورة إلى أعلى مراتب التقدم والرخاء لشعوبها.
فسنغافورة عندما حصلت على استقلالها عام 1965 كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نحو 500 دولار، وكانت واحدة من أفقر المناطق الأسيوية ولكن في عام 2014 تضاعف الناتج المحلي الإجمالي مائة مرة ليصل إلى ما يزيد على 50 ألف دولار؛ وطبعا قراءة المستقبل وتطور التعليم كانا السبب في ذلك.
وأنا أكتب هذا الكلام، أستحضر قصة نجاح السيد إيلون ماسك الذي يتحدث عنه الإعلام الدولي بدون استثناء.. هذا الرجل هو صاحب شركة سبايس إكس؛ وهو مهندس ومخترع خارج العادة. وُلد في جنوب أفريقيا عام 1971، ثم انتقل للعيش في أمريكا وأصبح مليونيراً عندما كان في العشرينات من عمره حين باع شركته الناشئة Zip2 إلى شركة Compaq للحواسيب، وحقق المزيد من النجاح بتأسيسه شركة أيكس دوت كوم عام1999، وشركة سبيس إيكس عام 2002، وشركة تيسلا في 2003. تصدر ماسك عناوين الأخبار في عام 2012 حين أطلقت شركة سبيس إيكس صاروخاً فضائياً أرسل أول مركبة تجارية لمحطة الفضاء الدولية، وفي عام 2016 ملأ معرض أعماله بصور المدينة الشمسية سولار سيتي، ورسخ وجوده على عرش القادة الصناعيين. المهم عندي أنه وفي سن العاشرة بدأ إيلون بتطوير نفسه تباعاً، فشرع بتنمية قدرته على استخدام الحاسوب وتعلم لغات البرمجة وقد نجح بالفعل، حيث صنع أول برنامج قابل للبيع -قام بتصميم لعبة سماها بلاستر.
وفي عام 1989 عندما بلغ السابعة عشرة انتقل إلى كندا لارتياد جامعة كوين وهرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الجنوب أفريقي، وفي 1992 غادر كندا ليدرس الفيزياء وإدارة الأعمال في جامعة بنسلفانيا، وبالفعل فقد حصل على شهادة في الاقتصاد ثم أكمل دراسته للحصول على درجة بكالوريوس ثانية في الفيزياء....
وتصدر ماسك عناوين الأخبار بعد شراء منصة التواصل الاجتماعي العملاقة تويتر. ونحن نتحدث عن تويتر، فإنها مع المنصات الأخرى كفيس بوك ويوتيوب، تساهم كثيرا في انتشار المعلومات المضللة وتعزيز التطرف لدى قسم من المجتمع والعنف في الحياة الواقعية... وتعهد ماسك بالتخلص من البريد العشوائي، وبالتأكد من هويات المستخدمين، وبدمقرطة «الخوارزميات مفتوحة المصدر» وبتعزيز الشفافية عوضا عن أن يكون «إبراز التغريدات أو بطمسها عملية غامضة لا يُعرف كيف تحصل» ولكن الخبراء يشيرون إلى أن التطرق إلى هذه الإجراءات قولا أسهل بكثير من تنفيذها؛ فمعظم الناس لا يتقنون التشفير؛ زد على ذلك أن المستخدمين «لا يقرأون أصلا القواعد الخاصة بالمنصة قبل الموافقة عليها»، وهذا «شبيه بالملصقات الموضوعة على علب السجائر، إذ يستمر الأشخاص في التدخين» رغم التحذيرات من مخاطر هذه الممارسة».
المهم من هاته المقالة التي أوجهها خاصة لشبابنا هو أن الطموح والتفاني في العمل وتنمية القدرات والثقة في النفس هي مفتاح النجاح؛ ولنا في مسيرة حياة ماسك افضل مثال... وأنا أتابع مسيرته، وجدته أنه يتغاضى عن تعليم أبنائه الصغار في المؤسسات التعليمية الأمريكية، لأنها في نظره لا تشجع المهارات ولا تخلق الإبداع في عقول الأطفال، لذا بدأ في رسم خريطة تعليمية خاصة لهم، وعيدكم مبارك سعيد!!!