غالية بنت محمد عقاب المطيري
وضعت حقائبي واستلقيت على السرير هذا مكان جسدي المنهك يحتاجه، وأخذت باستنشاق الهواء زفير شهيق متتال، وفجأة تنبه جسدي كله وسَرتْ به حماسة المفاجأة لا يمكن تخيُّلها بعد عناء الرحلة والوصول للفندق وإنهاء إجراءات الحجز والوصول إلى غرفتي و...... ولكن جسدي هزم كل ذلك التعب.
وما هو إلا جزء من الثانية، وإذا بي أقف في شرفة الغرفة، وأنا اشتم رائحة المدينة نعم الرائحة.
لكل مدينة رائحة تميزها بل تبقى مع كل مسافر وكل عابر تحكي له عن تلك المدينة وآمالها وأحلامها و.. و.. ومشاعرها من حب وكراهية وخوف وقلق، نعم إنها حقيقة وأكثر مكان يمكنك به أن تميز تلك الرائحة هي الأسواق الشعبية لتلك المدن.
لقد زرت الكثير من المدن والدول، ولكن هناك مدينة أعشقها عشقا يسري في دمي. هي مثل الفتاة الفاتنة توسدت ثلاثة أودية من أكبر أودية المملكة لذلك أخذتْ اسمها من أحد تلك الاودية الذي حفر وسطها فأصبح تتسمى به إنها مدينة حفر الباطن عروس البادية الساحرة.
لحفر الباطن رائحة مختلفة، هل لأنها ضمت جميع ثقافات مناطق المملكة العربية السعودية ومدنها، وذلك يرجع إلى التوليفة السكانية التي ضمتها بين جنباتها من شمال وشرق وغرب وجنوب ووسط الوطن الحبيب.
ولحفر الباطن سوق شعبي اَلسَّيْرِ بِهِ يعد علاجاً نفسياً جباراً يقضي على الاكتئاب والحزن والقلق والتوتر في ثوان فقط المطلوب منك أن تكون وجهتك له. أوقف سيارتك على جانب الطريق بعد أن تترك شارع الملك عبد العزيز وتترك خلفك أسواق الذهب اختلط بالمارة خذ نفساً عميقاً وسر، وانظر فيما حولك ستجد مزيجاً غريباً من البناء القديم المرمم والبناء الحديث الذي يضم قيصريات ومحلات الذهب والقديم الباقي على أبواب الحديد الزرقاء. وعلى جانبي الطريق ستجد بعض محلات العطارة وستجد أقدم محل صرافة وأنت في مسيرك ذاك ستطالعك نوافذ الطرقات القديمة لو دققت بها النظر لوجدت بيوت طين قد تَهدمَ بعض من جدرانها، وإن بقي بعضها لامعاً، والنخل هنا وهناك يخبرك بأناس سمحي المحيا كريمي الأخلاق حلو معشرهم مضوا إلى مقبرة لا تبعد كثيراً عن ذلك السوق الجميل.
أنصحك أن تقف عند كل طريق، وتأخذ نفساً عميقاً لأنه سيبعث في داخلك نوعا من الشعور لا يمكن وصفه. اكمل مسيرك وستجد أيضاً محلات الكماليات وأدوات التجميل، دع كل هذا واستمر في السير حتى تقف على ناصية الطريق ليمتد بك الرصيف يساراً لساحة مربعة ومحلات المفروشات والحياكة القديمة لأدوات وملبوسات ومنسوجات ورائحة السمن ستنعش أنفك، وستجد لبن الغنم والزبد والأقط (البقل) ومحلات التمور والمعمول بأنواعه وجودته العالية وأنواع الحلويات ستقابلك عندما تستمر في السير قليلاً بعد أن تترك صرافة البنك على يمينك، ولكن لا تفوت جهة اليسار ففيها منسوجات رجالية ونسائية لن تجدها في أي مكان فأنت في كرنفال رائع يبعث السعادة في نفسك.
أما إن أردت السير يميناً عند ناصية الطريق، فستقابلك ساحة مربعة اصطف بها من الباعة المتجولين في بضائع متنوعة مختلفة ومحلات الأواني أمامك وعن يمينك، ومحلات الأواني هذه فيها أنواع من الأواني لن تجدها في أي سوق آخر، بل إن أغلب الزوار من دول الخليج يحرصون الحرص كله على الاقتناء من هذا السوق الفريد.
وما أجمل أن تُستغل بيوت الطين التي تقع خلف السوق مباشرة في إقامة مقهى وناد أدبي بطراز قديم ومطعم شعبي وساحة للألعاب الشعبية.
الحقيقة أن رائحة هذا السوق وكمية الراحة النفسية والسعادة التي يُكسْبُها السوق لزواره فرصة استثمارية يغفل عنها التجار والمستثمرون في حفر الباطن.
ويبقى أجمل ختام لأجمل سوقٍ ومدينة، هذا البيت:
(أرض الحفر أرض تفوق التواصيف
عنها خست باريس ويافينا
لا ربعت أرض الحفر كنها جنيف
لا ربعت ضباب لندن تعنا)