علي محمد إبراهيم الربدي
في يوم الجمعة 28-11-1445هـ الموافق 31-5-2024م ودع الدنيا بأمر من الواحد القهار رجل المال والأعمال الوجيه محمد بن علي الجعيثن الذي ولد وترعرع بمدينة بريدة عام 1353هـ.
والمرحوم محمد الجعيثن الذي عرف طوال حياته بمحمد علي درس وتعلم بمدينة بريدة القراءة والكتابة التي تؤهله للتعامل مع الحياة على يد مطاوعة (كتاتيب) بريدة منهم المطوع عمر بن سليم وابن فرج والصقعبي.
لم يواصل الشيخ تعليمه فقد فضل الضرب في الأرض والعمل بالأعمال الحرة على مواصلة التعليم والوظائف الحكومية مع العلم بأن لديه خبرة ومعلومات تعليمية تؤهله للعمل بالوظائف الحكومية في شبابه.
بدأ أبوعلي حياته العملية والتجارية شابا يضرب في الأرض يبتغي من فضل الله بعدما ملك سيارة فورد ونيت موديل 57 وعمره لم يتجاوز العشرين عاما وأخذ يجوب عليها المدن والمناطق داخل المملكة العربية السعودية وخارجها فمرة ينقل الحجاج أيام الحج ومرة ينقل على سيارته البضائع من الأحساء ومن أبوعينيين إلى بقية مناطق ومدن المملكة وأحيانا يجلب التمر والتمن (الرز) من العراق إلى مسقط رأسه مدينة بريدة وإلى بقية مدن المملكة ومنها العاصمة الرياض وحين اكتشف البترول بدولة الكويت عام 1338هـ تحولت دولة الكويت إلى منطقة تجارية وتوجه بعض السعوديين للعمل بها والمتاجرة فيها يعملون ويشترون ويصدرون البضائع من الكويت إلى داخل السعودية كالملابس والأحذية والسيارات كسيارات فولفو السويدية الصنع التي كان وكيلها بالكويت المطوع وله وكيل معتمد بالسعودية هو الشيخ صالح محمد الرشيد وأخوه رشيد والتي نجحت كسيارات تستخدم للأجرة داخل مدن المملكة من عام 1376هـ حتى عام 1395هـ ولكنها بعد هذا التاريخ أخذت تختفي وتتلاشى في أسواق المملكة كسيارات أجرة عندما بدأت السيارات اليابانية تنافسها وتحل محلها خاصة سيارة (180 بي) بديلة عنها لرخص ثمنها الذي لا يزيد على سبعة آلاف ريال سعودي.
كان أبوعلي واحدا من الذين يعملون ما بين الكويت والسعودية على السيارة الفورد الونيت التي يملكها وكان ينقل ويورد البضائع من الكويت والعراق إلى مدن ومناطق المملكة حتى أصبح واحدا من التجار الشباب الذين كونوا أنفسهم ومن التجار المعتمدين الذين يحاول الكثير من الناس كسب ودهم والتقرب إليهم والتعامل معهم لصدقهم وأمانتهم والثقة بهم.
ترك المرحوم محمد علي تجارة التنقل بين المدن والدول وقام بتأسيس مصنع ثلج بمسقط رأسه بمدينة بريدة بمزرعتهم الواقعة شمال بريدة عام 1379هـ والتي تبعد عن وسط المدينة بحوالي 15 كم والآن تحولت المزرعة لمحلات تجارية قريبة من مبنى الجوازات ومن حي الشماس وقريبة من جفر الحمد المكان الذي لا يعرف له مالك حتى يومنا هذا، والذي شيد عليه مبنى بلدية بريدة المقر الحكومي الثاني للبلدية التي انتقلت إليه عام 1410هـ ومع التطور العمراني الذي شهدته المملكة العربية السعودية والمتواصل من عهد الملك عبدالعزيز إلى العهد الحاضر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أصبحت المزرعة وسط بريدة بعد أن كانت تقع شمال بريدة وتبعد عنها خمسة عشر كم شمالاً.
بدأ مصنع الثلج الذي عرف بمصنع ثلج الجعيثن بالمزرعة ينتج كأول مصنع للثلج بمنطقة القصيم عام 1379هـ تقريبا وكان يبيع إنتاجه على شكل قوالب على أصحاب المطاعم والبقالات قليلة العدد في الثمانينات الهجرية التي تبيع المشروبات والمرطبات لتبريدها في زمن لم يعرف فيه الكهرباء ولا حتى الثلاجات التي تبرد فيها المياه والمشروبات الغازية التي تستورد من خارج المملكة وكذلك شراب المشن الذي أسس مصنعه بمدينة بريدة المواطن عثمان الحصان وبدأ بالإنتاج كأول مصنع للمشروبات الغازية بمنطقة القصيم عام 1381هـ وجميع المشروبات تحفظ وتبرد في ثلاجات خشبية من غير كهرباء بل تبرد بواسطة الثلج الذي يشترى من مصنع الجعيثن ويباع على البقالات والمطاعم بواسطة السيارات مع العلم بأن السكان حتى تاريخ 1388هـ أكثرهم لا يستخدمون الثلاجات ولا يملكونها ولا يشترون الثلج وإنما يبردون الماء الصالح للشرب بالمنازل والمساجد بالقرب (ومفردها قربة) المصنوعة من جلود الأغنام والماعز ومن ثم صار بعضهم يستخدم الزير المصنوع من الفخار وقليل من يستعمله بالمنطقة الوسطى وظل الناس في نجد وغيرها في مناطق المملكة على هذه الحال حتى نزلت البرادات وقبلها الثلاجات مع منتصف التسعينات الهجرية تستورد وتباع بأسواق المملكة.
ترك أبوعلي مصنع الثلج وحول أعماله التجارية إلى المعدات الثقيلة القلابات والتي تعمل في تمهيد الطرق ورصفها والزفلتة داخل المملكة وخارجها عن طريق التعاقد مع الشركات الكبرى التي تنفذ الطرق العامة داخل المملكة والدول المجاورة بعد امتلاك السيارات الكبيرة كالمرسيدس والفولفو وتشغيلها مع المقاولين الذين يعملون بالطرق بين مدن المملكة ومنها الشركات التي نفذت طريق الهدا أثناء حكم الملك فيصل وطريق الجنوب أثناء عهد الملك خالد والملك فهد عليهما رحمة الله.
ومع مرور السنوات توجه للاستثمار بالمزارع والعقارات وأصبح من رجال المال الذين يملكون العمائر ومحطات الوقود والمزارع.
ومع أن الله أنعم عليه بالمال والخيرات، ومع أنه لم ينس نصيبه من الدنيا إلا أنه كان من المحسنين الذين يحسنون على المسلمين ومن الذين يسارعون بفعل الخيرات ينفعون الناس ويقضون حوائجهم، فكان يعين الملهوف ويساعد الفقراء والمساكين والأرامل ويقضي عنهم الدين ويرعى الأيتام وأبناء المتوفين ينفق على الجميع ولسان حاله يردد (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) و(ما نقصت صدقة من مال) وكانت له أوقاف لا يعلم بها إلا الله ومنها على سبيل المثال لا الحصر المقر الأكاديمي لجمعية أبناء الذي أوقفه على الجمعية قبل ثلاثين عاما.
والشيخ محمد العلى الجعيثن من رجال بريدة المشهود لهم بالصدق والأمانة والأخلاق العالية ومن الكرماء الذين يكرمون الضيف ولسان حاله يقول:
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا
نحن الضيوف وأنت رب المنزلِ
والشيخ محمد علي الجعيثن واحد من أفراد أسرة الجعيثن من أسر بريدة قليلة العدد الذين يرجعون بنسبهم إلى قبيلة عنزة كانوا يسكنون شمال الجزيرة، ومن تجار عقيل الذين يجوبون بلاد الشام والعراق وفلسطين يبيعون ويشترون بالإبل والمواشي ومن أشهرهم العقيلي سليمان الجعيثن، وحين استقرت الأحوال بالمملكة العربية السعودية بفضل الله ثم حكم الملك عبدالعزيز الذي وطن الأمن والأمان استقرت أسرة الجعيثن بمنطقة القصيم وأول من سكن فيها جدهم الأول علي الذي سكن مع مطلع القرن الثالث عشر الهجري الدعيسة قرية تقع غرب مدينة بريدة وتبعد عن وسطها حوالي خمسة وعشرين كيلومترا ومع التوسع العمراني الذي شهدته المملكة العربية السعودية بداية من عهد الملك عبدالعزيز إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أصبحت الدعيسة اليوم حياً من أحياء بريدة ومنها انتقلوا إلى شمال بريدة وسكنوا حي الشماس وعلى بعد ثلاثة كيلومترات شمالاً ملكوا مزرعة أسسوا فيها أول مصنع للثلج بمنطقة القصيم.
نسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يحشره مع الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وعزاؤنا لابنه علي ولإخوانه وأخواته ولأسرة الجعيثن خاصة وللفقراء والمساكين والأيتام وكل محتاج من المسلمين عامة.
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
** **
القصيم - بريدة