خالد محمد الدوس
الموت أو الضيف الأخير (الزائر) الذي يأتي بلا استئذان يذوقه كل إنسان، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (57) سورة العنكبوت، فالموت كأس لا بد من شربه وإن طال بالعبد المدى وعمّر سنيناً.!! فهو هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ومشتت القرابات وميتم البنين والبنات، قال الله تعالى: {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} (106) سورة المائدة، فلا عجب أن الموت هو (الحقيقة) التي تقف أمامها البشرية عامة عاجزة عن الهروب منه، كما يقول تعالى {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} (78) سورة النساء.
إنها سنة الحياة، وناموس الكون، أن نصحوا أحيانا على خبر يدمع العين، ويحزن القلب، ويحير العقل، ويؤثر في النفس برحيل الأقارب والأحبة والأصحاب..
في يوم الثلاثاء الموافق 27-11-1445هـ تلقيت ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة خبير الإدارة المهندس عبد الله بن محمد العبودي عن عمر يناهز 70 عاماً، تغمده الله بواسع رحمته، تشرفت بمعرفة فقيدنا الغالي قبل أكثر من عقدين من الزمن مسئولا رفيعا ثم مستشارا أمينا في وزارة المياه والكهرباء (وزارة البيئة والمياه والزراعة حاليا)..
عرف عن أبو محمد -رحمه الله- قيمه الاجتماعية الأصيلة وشيمه التربوية النبيلة من خلق رفيع وتواضع جم وسمو التعامل والبشاشة العفوية التي كانت لا تحجب تحت أي ظرف مع الجميع، حتى حين كان مسئولا رفيعا في وزارة المياه والكهرباء يتعامل مع الجميع «موظفين ومراجعين» بروح الأدب والقيم الأخلاقية واللطف.. وكان من القياديين المثاليين في إخلاصه ونزاهته وتفانيه وتشجيعه وتحفيزه لزملائه الموظفين خلال فترة عمله الرسمي.. وحتى مع المراجعين كان يشدد على حل مشاكلهم وإنهاء معاملاتهم دون تأخير بما لا يتعارض مع الأنظمة والتعليمات والأوامر التي تصدر من مقام الوزارة، وإذا كانت مكارم الأخلاق جسداً يمشي على الأرض (فأبو محمد) -رحمه الله- كان يمثل هذا الجسد..! فلقد كان آية في هذه المكارم والشيم والشمائل والقيم..
وحسب ما يروي -لكاتب السطور- مدير عام المياه بمنطقة الرياض -سابقا- الأستاذ عبد الرحمن الحيزان الذي عاصر الفقيد في عمله ما يقارب (ثلاثين عاما) يقول: كان أبو محمد -رحمه الله- شخصية قيادية إدارية وفنية يتمتع بصفات أخلاقية رفيعة محبا للخير وساعيا له.. نظيف المسلك.. ونزيه المبدأ.. فأحبه كل من عرفه وتعامل معه عن كثب إلى جانب إخلاصه وتفانيه في العمل وأسهم بمنهجه الإداري ووعيه التنظيمي في تطوير جوانب كثيرة في قطاع المياه في فترة عمله الماضية، وكان يحظى بتقدير وثقة الجميع ومنهم معالي الوزير السابق م. عبدالله الحصين، وكنت في الواقع محظوظا أن استفدت من هذه المدرسة القيادية البارزة في القيم الإدارية والوعي التنظيمي والشفافية وامتلاك الرؤية ومهارة التواصل الفعال وتقدير الموظفين وتشجعيهم من أجل الاتقان بالعمل وتحقيق الجودة بمفهومها الشامل.
والأكيد أن رحيل م. عبد الله العبودي صاحب السيرة الزاخرة بالقيم الإنسانية والعلمية والأخلاقية والإدارية والفنية.. يمثل خسارة لوطننا الغالي بعد أن ترك أعمالاً بارزة، ومنجزات وطنية في مجالات المياه والبيئة بعد أن خدم القطاع أكثر من ثلاثة عقود زمنية وفي مواقع متعددة فنية وإدارية وهندسية.. سائلا الله العلي القدير أن يغفر له.. ويجعل حياته البرزخية سعيدة، كما أسعد كل من لجأ إليه من الناس.. بعد أن سخر مكانته ووجاهته لنفع المواطنين وغيرهم.
- وقفة: يرحل الجسد ويبقى الأثر.. والذكر الجميل عمر طويل.