حصة مروان السديري
فضة الصحراء علمتني حضارة من ذهب.. ارتبط حبي للصحراء وجمالها بجدتي فضة بنت عماش الفقير، حيث تغنَّت وهيجنت في جمال الصحراء وحياتها في البادية والخيام في شمال المملكة. كانت جدتي مصدر إلهامي في فصاحة اللغة، إذ كانت مدرسة لي في تشكيل ثقافتي وحبي للصحراء. هذا الحب دفعني لاستكشاف العلا منذ صغري وحتى اليوم.
كانت جدتي تحث مرافقيّ على الاعتناء بي عند زيارتي في رحلات استكشافية، والتعرّف على تاريخ جدي عماش وجدي الشيخ مطلق الفقير، الذي يُعتبر الجد الثالث لجدتي من قبيلة الفقراء من عنزة الذين مكثوا في الحجر لأكثر من 400 سنة. هذا التراث العريق دفعني إلى النظر إلى وطننا بفخر، فنحن نحمل تاريخًا عتيقًا وعميقًا.
أهم ما يبرز المملكة العربية السعودية هو تألق هويتنا التي لم تُستعمَر. الاسم نفسه، الحجر، استمر من فترة الأنباط إلى اليوم، وكذلك العديد من مناطق المملكة التي تحتفظ بأسمائها منذ مئات السنين. يجب علينا أن نفخر بتاريخنا الغني والمليء بالحضارات.
من خلال حياة البداوة التي مارستها جدتي، تعرَّفت على جمال الصحراء وكيف ظلت مأوى لمن يعرفها. حتى لو نظرنا إلى الربع الخالي الذي مكثت فيه قبيلة آل مرة، وتغنَّى الكثيرون بجمال صحرائه وربيعه، نجد أننا لم نعطِ الصحراء حق جمالها. هذه الرمال التي وحّدت المملكة ولها مئات السنين من التاريخ.
من يعتقد أن الصحراء ليست مكانًا للحضارة يجدر به أن ينظر إلى أسوار الحضارات التي أسست تحت رمالها، وأجدادنا الذين تربعوا فيها وتغنَّوا بربيعها. مفهوم أن الحضارة تحتاج إلى نهر أو غابات خضراء ليس له أي صحة هنا. تاريخ المملكة يعود إلى مليون سنة، ومع تغيّر المناخ تأقلم الإنسان مع طبيعته.
لو نظرنا إلى حياة البداوة، نجد أن حليب الإبل كان بمثابة أهمية المياه بسبب قلة توفرها، واعتمد الإنسان على حليبها، حيث كان نادرًا جدًا أن يأكل لحمها. الإبل كانت حياة بالنسبة للبدو. الرسومات الصخرية تُظهر اهتمامهم بالإبل، حيث ربطت حياتهم بالسفر والتجارة.
يجب أن نعتز بما تعلمناه من أجدادنا الذين زرعوا فينا حب الصحراء وجمالها، وتغنَّوا بها، كما مارسوا نفس النشاطات في الحضارات السابقة.