رمضان جريدي العنزي
سليمان المانع شاعر له صور وفلسفة ومعاناة ولسان في الشعر مغاير، واحد من فرسان الشعر، وله شهرة تخطت حدود الإقليم، منذ زمن وسليمان له عبقرية في الشعر نابعة من معاناة حقيقية وليست مصطنعة، يجيد شعر المعاناة، وينفر من شعر المدح أو الهجاء، ولا يحبذ الذم والعنفوان، ويلفظ الأنا والذات، طبيعي على سجيته وبداوته، له سلوك وأخلاق وتعامل عالٍ وراقٍ، وهذا الذي جعل سليمان المانع يحافظ على محبته ومكانته بين الناس، إضافة إلى قوة شعره وبيانه وجمال صوره الشعرية، مبدع سليمان المانع، بوتقة البوح عنده ترتقي إلى فضاءات واسعة، تخيلاته فاتنة، وطيف شعره له ألوان زاهية، بناؤه الشعري مستوٍ، وأعمدته ثابتة، تستوي في شعره الفكرة والغرض، والمقدمة والخاتمة، شاعر يعرف استعمال القوافي والبحر والميزان، يسترسل بسهولة، ويستوعبه المتلقي ببساطة، له وضوح فكرة، وجوهر ولب، ويصيبك بالدهشة.. كلما أقرأ لسليمان أجد شيئاً جديداً في الصورة والمغزى والمعنى، سليمان ليس شاعراً فحسب بل إنسانٌ جاء من رحم الغربة والجرح والمعاناة، صادق ونقي كطفل سكنه البياض والبراءة.
وجع حب وجع خوف وجع شوق وجع ضيقـه
على كيفك وهاك اختار هذي سلـة اوجاعـي
غلا واسمع نزيف الجرح كلام الصمت ما طيقه
أنا محتاج اسولف لك عن أول وآخر أوضاعـي
وابد لا يجرحك صوتي حياة الطيـر تحلـيقه
عليك الله تصير الكون والمسبـاق والداعـي
انا اصدق طير في الدنيا عشق حتى مسابيقـه
ولكنـي بقيـت اذكـر معـاك ايـام مرباعـي
تعال افتح كفوفك حلم امـوت بيـوم تحقيقـه
تعال ارسم بحور العشق واكسر لو تبي اشراعي
سليمان مواقفه واضحة وجلية، باطنه يستوي مع ظاهره، لا يعرف التناقض ولا الازدواجية، ويمقت النفاق والتلون، والاختباء وراء الأقنعة الزائفة، ولا يجيد اللعب على الحبال المتأرجحة.. إن سر قوة الشعر لدى سليمان يعود إلى تبنيه مواقف واضحة لا مراوحة فيها إزاء المثل والقيم، وقد جسد ذلك في شعره التوجدي، وغربته الروحية بصورة واضحة.
يا ميمتي من كثر ما لاعنا العُوز
ما ظل أحد ما له علينا جميلة
هذه الكلمات هي من أبرز قصائد سليمان المانع، الذي يتمتع بموهبة شعرية تشدك إليه بطريقة عجيبة في دقة الوصف، سليمان المانع حالة فريدة في عالم الشعر الشعبي، وهو شاعر من الجيل الذهبي للقصيدة الشعرية جيل الثمانينات، واستطاع أن يكون قاعدة جماهيرية عريضة من خلال شاعريته الفذة، والتي تميزت بالأصالة والتجديد مما جعله يتربّع على عرش القصيدة الشعبية الحديثة في وقتنا الحالي.
وشي ما هوب مكشوف
كم هاجس يولد ترده اشفاتي
ويموت ما هو لأقرب الناس معروف
لكن معك فجرت خافي سكاتي
ملهوف أسولف وأنت للسمع ملهوف
يا غالي جمل وجوك حياتي
وبالحب صرت لدمعتي صدر وكفوف
خذ دفتري خذ بوح ذاتي لذاتي
وابصر بدمع بدم تاريخ وحروف
خلك جبل في وجه الأيام عاتي
واحذر تكون إنسان والعالم سيوف
وهناك بس هناك سر اغنياتي
حزني ضياعي حيرتي سيرة ظروف
وهناك تتفهم حنين التفاتي
سليمان شاعر جاء ليبقى خالداً، قال الشعر فأخلص له، حتى جعل له معجماً لغوياً خاصاً به، له فلسفة وقدرة على الإبداع والتجديد والعطاء والتفرد المغاير، وله لغة يجيد التلاعب معها، مباشر لا يستخدم الرمز ولا التقية، صادق في الوصف وفي الكلام والبلاغة، وليس عنده غموض أو تكلف.
كان الرجوله بالمظاهر والاشكال
عـز الله اني ما عرفت الرجوله
وكان الرجوله بالمواقف والافعال
عـز الله اني مرتوي يا خجوله
يا جارحه احساس شاعر ورحال
غريب تايه من سنين الطفوله
ما كل من كشخ من الناس رجال
الشخص جوهر وافهمي ما اقوله
سطحية النظره ومعبوده المال
ما يعجبك شكل الغريب ونحوله
شكلي غلط لكن على الكود حمال
ودرب الفخر نفسي عليه معلوله
والشاطر اللي يفتهم رمز الامثال
كم داس وقتك من سلايل حموله
لاني بمغرور ولاني بحيال
لي روح عن باقي الخبول معزوله
باني لي اهداف عظيمات ومال
والغيم من شافه ترجى هطوله
ولا يندمج درب الدناسه والافعال
والاصل يعرف من يتم بأصوله
سليمان روحه حزينة، لكنه لا يملك السوداوية المطلقة، يحلم بزنابق بيضاء، وحديقة ورد، ونافورة وشلال ماء، وأصوات العصافير والبلابل، يحب التلال المعشبة، والمنحدرات الأنيقة، والقرية الهادئة التي تنام في أحضان الطبيعة الخلابة، وله قدرة عجيبة على تحويل الجرح عنده إلى وردة.
شف ضحكتي ما هي فرح لا ولا صبر جميل
اضحك قهر مجبور أبوس خد السنين العابسة
في عصرنا باصطبلها ما يطرب الخيل الصهيل
وأنا وبعض الخيول اهمومنا متجانسه
سليمان المانع منظومة شعرية متكاملة، مخلوطة من هم وأهزوجة ومعاناة وضنا وأسى شفيف وخذلان وجحود ونكران، واضح مثل فضاء بيداء، ونقي مثل ماء، صدى شعره عميق، يقبع في الوجدان والذاكرة، وينغرس في القلب والروح.
ايه انخذلت ولا بواحد ولا اثنين
ولا اقول كل المجتمع بس جله
يا حسين أنا المطعون يا حسين يا حسين
اللي شرب زايف غلاهم وبله
يا ما حكولي بالفضاء صحبة البين
ويا رخص حكين ما يجي في محله
شفت الوفاء في لحظة الموقف الشين
يا زلني ولا يقولون زله
وانا براسي للصداقة قوانين
ولغزن كبير وبعضهم ما يحله
سليمان المانع، وضع لنفسه مكانة شعرية، وحظى بمتابعة عربية واسعة النطاق، كونه كتب القصيدة بتكتيك مختلف ومغاير، حتى صار من أبرز الشعراء في وقتنا الحاضر، وكما أن الرسام يجيد الرسم بالفرشاة والألوان، فإن سليمان يجيد الشعر من خلال الصدق والواقعية، والتناغم الروحي والكينونة، نصه مدهش، له مفردة مبتكرة، وله أبجدية منحوتة من جوف المعاناة، وشعره نابض بالبياض، ينقلك بشعره إلى عالم متعدد الأبعاد، يضحى فيه المتلقي يمارس كينونته.. للشاعر سليمان بنى شعرية ورؤى، مما شكل انعطافه قوية في سيرته الشعرية وصيروريته من خلال لغة بسيط مكشوفة وواضحة، لا تحتاج لقواميس ومعاجم لفك طلاسمها.. إن التجربة الشعرية للشاعر المغاير سليمان المانع تتطلب وقفة تأملية طويلة، نظراً للابداليات التي أحدثها في بنية النص الشعري، مخترقاً الجمود نحو قصيدة معبرة وخلاقة.