د. محمد بن أحمد غروي
من الدلالات المهمة هذا الأسبوع، صدور نشرة سوق العمل للربع الأول من العام (2024)، التي أعلنتها الهيئة العامة للإحصاء، وما تمخض عنها من نتائج قياسية تاريخية يمكنني وصفها بـ«الإيجابية المتقدمة»، وانعكاس ذلك في خفض معدل البطالة بين السعوديين، وارتفاع مستوى المشاركة الاقتصادية لإجمالي السكان، وهو ترجمة ديناميكية في توسع سوق العمل لاستقطاب الكوادر الوطنية.
نتائج النشرة الجديدة سبقها بوقت قريب، تقدم ترتيب المملكة من المرتبة الـ(13) إلى المرتبة الـ(12)، في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية لعام 2024، والصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، وهو من التقارير العالمية الرصينة، لتقييم عمليات إصلاح الدول الاقتصادية ودرجة تماسكها الشاملة، ومن الأسباب الرئيسية لتقدم بلادنا، ارتفاع حيوية سوق العمل السعودي، من خلال مؤشري نمو التوظيف على المدى البعيد، ونمو سوق العمل على المدى البعيد، فضلًا عن تشريعات البطالة التي باتت -وما زالت- تؤتي أُكلها.
ما بين نشرة سوق العمل للربع الأول من 2024 ونتائج الكتاب السنوي للتنافسية العالمية، من إدراك وفهم عمليات التغيير التي تمت في سوق العمل السعودي على مدى الفترات الماضية، وما قدمته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لتوطينه، ولكن من المهم قبل التفاصيل، الإحالة إلى أن صناعة مبادرات التوطين والتأهيل المهني، كانت العمود الفقري لخفض معدل البطالة بين مواطني «دول الآسيان».
واقعيًا قادت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، عملية تغيير كبيرة -لم تكن سهلة بطبيعة الحال وما زالت مستمرة- لوضع الحلول المنهجية لتجاوز تحديات البطالة، من خلال التصميم المنهجي المدروس لمبادرات وبرامج وقرارات التوطين، وهو ما أسهم فعليًا في حدوث تغييرات إيجابية، حتى بات سوق العمل السعودي يعيش مراحل «الإصلاح الذاتي»، وهو ما عكسته نتائج نشرة الإحصاء الأخيرة بالأرقام والحقائق.
برأيي أن جوهر مبادرات التوطين الذي أسسته الوزارة، ارتكز على زيادة المشاركة في جميع القطاعات، وعلى جميع المستويات الوظيفية من خلال استثمار الطاقات والقدرات الوطنية وتوسيع خيارات التوظيف القيمة أمامها، بالشراكة مع القطاعين العام والخاص، وهو إطار متقدم لـ«استراتيجيتها» المُنبثقة من رؤية السعودية 2030.
ارتكزت الوزارة في استراتيجية التوطين، على النشاطات والقطاعات والمهن الحيوية والتي لديها إقبال كبير من السعوديين والسعوديات بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة والقطاع الخاص، وأثمرت برامج وقرارات التوطين ومبادرات منظومة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لدعم منشآت القطاع الخاص في وصول عدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص إلى رقم قياسي جديد، تجاوز 2.3 مليون سعودي وسعودية.
أما السؤال الكبير لفهم أبعاد النشرة الأخيرة هو: كيف تعمل استراتيجية التوطين؟، الإجابة تكمن في التركيز على عدة مسارات (مهنية، ومناطقية، وأنشطة) لخلق فرص عمل متوائمة مع مؤهلات الباحثين عن العمل، وفق منهجية تعمد بشكل أساسي على موازنة العرض والطلب من خلال دارسة احتياج سوق العمل الحالي ونمو القطاع، وعلى دراسة عدد الباحثين عن عمل الحاليين؛ للتأكد من عدم التأثير السلبي على السوق.
ويجب ألا ننسى أيضًا، أن الخدمات والمحفزات التي تقدمها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لمنشآت القطاع الخاص وبرامج الدعم لمساعدتها على توظيف السعوديين، كان لها دور مهم في الوصول إلى الانخفاضات التاريخية القياسية في معدل البطالة، وهي منهجية متكاملة تستند إلى دعم عملية الاستقطاب والبحث عن العاملين المناسبين، ودعم عملية التدريب والتأهيل الضرورية، ودعم عملية التوظيف والاستمرار الوظيفي، بالإضافة إلى أولوية الاستفادة من كافة برامج دعم التوطين المتاحة لدى المنظومة، وبرامج الدعم والتوظيف من خلال صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) التي استفاد منها بحسب النشرة الجديدة نحو 1.1 مليون بقيمة مصروفات تجاوزت 2 ملياري ريال.