محمد بن إبراهيم الحسين
ذكاء الأشجار:
توصلت بعض الدراسات إلى أن الأشجار تتواصل مع بعضها البعض، وتتبادل فيما بينها مكونات النمو بشكل أفضل، وتبعد الأشجار أوراقها لكي تسمح لضوء الشمس بالوصول للأشجار الصغير المتفرعة منها وترفدها بكميات متوازنة من الغذاء وكأنها بذلك حيوانات تطعم صغارها، وعند تعرض إحدى الأشجار لوباء يقوم بإرسال إشارة إنذار على شمل جزيئات كيميائية لكل الأشجار المحيطة فتقوم الأشجار بإصدار المادة المضادة للوباء؛ وبذلك يتضح بأن الأشجار أشبه بمجتمع تكافلي يتبادل المعرفة والخبرات والرعاية بواسطة موجات لا تختلف كثيراً عن موجات الدماغ البشري!.
ذكاء النباتات:
النبات المفترس لا يمتلك دماغاً ولا حتى أعصاباً، ورغم ذلك يحكم الفخاخ لصيد الفرائس، ويوجد نباتات تمتلك نوعاً من الوعي يمكنها من تحوير هيئتها كالسحالي وتتمدد بين الأشجار المختلفة مدركة شكل أوراق الشجرة التي تعبرها ومغيرة أوراقها لتشبه أوراق الشجرة، والنباتات تستشعر الخطر حيث اتضح انكماش أوراق النبتة وإفرازها لمواد كيميائية عند تعرض إحدى أوراقها لشعلة صغيرة من اللهب، ويوجد في عالم النبات الكثير من الأمثلة التي تدل على تخطيط يمكن أن يعزى إلى نوع من أنواع الذكاء الذي لا يصدر عن دماغ ولا ينتقل عبر أعصاب، فمن المعروف أن النباتات كالحيوانات تنقسم إلى ذكور وإناث، وقد يفصل بين ذكور النباتات وإناثها مسافات كبيرة مما يصعب عملية التلقيح، وتعتبر الرياح التي تحمل حبوب اللقاح من وسائل التلقيح، ولكن اللجوء إلى آلية التلقيح بواسطة الرياح تستلزم إنتاج حبوب لقاح كثيرة لأن التلقيح بواسطة الرياح يعتبر عملية عشوائية قد لا توصل للمكان الصحيح سوى 1 % من إجمالي حبوب اللقاح، وإنتاج اللقاح يستلزم تسخير طاقة كبيرة يمكن أن تستغل لزيادة حجم النبات أو تطويل أغصانه أو تعميق جذوره. وتلجأ معظم الأزهار لحيلة أقل كلفة لتلقيح بعضها وذلك باستخدام الحشرات لذلك الغرض، ولكن الحشرات لن تنقل حبوب اللقاح مجاناً دون ثمن، ولذلك تقوم الأزهار بإنتاج الرحيق الذي يتم الإعلان عن وجوده في الأزهار بالألوان الزاهية والروائح الذكية التي تجذب الحشرات لذلك الرحيق اللذيذ فتتهافت لامتصاصه فتحمل حبوب اللقاح التي تعلق بأجسادها وأرجلها من الزهور الذكرية ثم تطير إلى زهور أخرى أنثوية تنتج نفس الرحيق فتنقل لها اللقاح فتتلقح، ولكن تلك الطريقة تستلزم كذلك استهلاك طاقة كبيرة مما تنتجه أوراق النباتات بواسطة التمثيل الضوئي وعناصر غذائية ثمينة مما يمتصه النبات من التربة لإنتاج الرحيق. أما أزهار الأوركيد فلجأت لحيلة مختلفة تستغل بها الحشرات لنقل حبوب اللقاح مجاناً دون مقابل، وتتلخلص تلك الحيلة الذكية في أن تلك الأزهار طورت شكلها لتبدو بشكل إناث بعض الحشرات كالنحل والدبابير، فيأتي ذكر الدبور ويقع عليها ليجامعها معتقداً بأن تلك الزهرة أنثى من فصيلته فيحمل حبوب اللقاح التي تلتصق بأرجله لينقلها إلى زهور أخرى فتتلقح؛ وقد استخدمت بعض أنواع العناكب تلك الحيلة بطريقة معكوسة، حيث تطورت لتبدو بشكل زهرة الأوركيد التي تشبه أنثى الدبور ثم تقبع ساكنةعلى أحد الأغصان وعندما يقع عليها ذكر الدبور لمجامعتها تقوم بالتهامه، وتلك الحيلة استغلتها بعض أنواع زهور الأوركيد حيث تتطور لتتخذ شكل تلك العنكبوت فتقع عليها أنثى الدبور وتقوم بلسعها بغرض شلها لتضع بيوضها في جوفها معتقدةً بأنها عنكبوت، فتحمل حبوب اللقاح من تلك الزهرة المخادعة لتنقلها إلى زهور أخرى فتلقحها. والنباتات تمتلك «مراكز لصنع القرار» توجد به خلايا تتولى الإعداد والاستعداد لوقت التبرعم، ويوجد مجموعة من الخلايا في جنين النبتة تعمل بنفس الكيفية التي يعمل بها الدماغ البشري حيث يحتوي مركز صنع القرار في النبتة على نوعين من الخلايا واحدة تختص بسكون البذور والأخرى تختص بالتبرعم والإنبات!.
ذكاء البذور:
البذور تتميز ببعض المظاهر التي تنبئ بامتلاكها لنوع من الذكاء، فبعض البذور تستخدم زوائدها كأجنحة لتطير بها وتنتشر، وبعضها تستخدم زوائدها كأقدام تمشي بها إلى المكان المناسب ثم تحفر وتنغرس وتتبرعم لتصبح نبتة جديدة، وتشي بعض الدراسات أن البذور تميز بين أنواع التربة وتختار الأصلح منها لتستقر فيها.
الذكاء على مستوى الخلايا والبكتيريا والفيروسات الذرات:
تتوالى الاكتشافات العلمية التي تشي بوجود أنواع من الذكاء على مستوى الخلايا والبكتيريا والفيروسات بل وحتى الذرات؛ حيث تمتلك تلك الجزيئات الأساسية والجسيمات المجهرية أنواع من الذكاء تتحكم في بعض الآليات كنوعية ووجهة الطفرات!.
وفي مجال الذكاء خارج الأدمغة وما يشبه الذكاء عند كائنات لا تمتلك أدمغة ولا حتى شبكات عصبية يجري الحديث بجموح عن ذكاء القمح؛ فعند علاقة القمح بالإنسان يتبادر التساؤل: هل الإنسان دجن القمح أم أن القمح هو الذي دجن الإنسان؟!، حيث نعتقد للوهلة الأولى وبتأثير الغرور البشري أن الإنسان هو الذي دجن القمح، وعندما نتعمق في تلك العلاقة نكتشف العكس؛ حيث إن القمح سخر الإنسان لخدمته، فأزال الغابات للتوسع في زراعته، وهندس الجينات لتحسين سلالته، وأنفق الوقت والمال لبذره وحصده وتخزينه، فضمن الإنسان للقمح البقاء والسلامة من الآفات والتوسع، بينما تسبب القمح للإنسان بأمراض الحضارة والأمراض المزمنة ذات المنشأ الجيني كمرض السكري من النوع الثاني، ويستدل بموجب ذلك بأن الإنسان لم يدجن القمح وإنما القمح هو الذي دجن الإنسان وجعله يعمل لصالحه؛ مما يعني ولو بمعنى مجازي أن القمح أذكى من الإنسان!.
كل تلك الأمثلة والشواهد تثبت أن الذكاء محله الكون وليس الدماغ كما يعتقد الجميع، وأن الدماغ رغم كونه شكلاً متطوراً من أشكال مراكز الذكاء، إلا أن بعض أنواع الذكاء توجد خارج الدماغ، وخلقت قبل أن يخلق الدماغ، وأن الذكاء بمعناه العميق لا ينحصر في أدمغة البشر ولا في الحيوانات التي تمتلك أدمغة متطورة، وإنما يتواجد في كائنات كالحشرات التي لا تمتلك دماغاً وليس لديها سوى حزم عصبية بدائية؛ مما يثبت أن وجود الذكاء ليس وقفاً على وجود الدماغ، وأنه ليس حبيساً في الدماغ فقط ولا مخرجاً من مخرجاته الحصرية، وإنما أوجده الله في كل جزء من أجزاء الكون وفي كل كائن من كائناته، مما يعني أن (الذكاء وجد قبل أن يوجد الدماغ).
قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (الإسراء:44).
قال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (50) سورة طه:50)
فسبحان من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.