خالد محمد الدوس
تشكل الرياضة أحد المجالات الأكثر جاذبية لرؤوس الأموال واهتمام القوى الاقتصادية، حيث تحولت من مجرد نشاط ترويحي.. ترفيهي يمارسه الهواة وتستمتع به الجماهير الرياضية.. إلى صناعة تقوم على أسس علمية متخصصة في الترويج الإعلامي والاحتراف الرياضي الذي يدر عشرات المليارات من الدولارات على الأندية العالمية المحترفة بل إنه كأسلوب يمثل قوة دفع لتطوير مهارات اللاعبين وتحسين وضعية الأندية واللاعبين.
الرياضة تعد اليوم صناعة مربحة ومصدر دخل في كثير من دول العالم وفي هذا السياق تشير إحصائية حديثة لمكتب التحليلات الاقتصادية الأمريكية أن الدخل السنوي لقطاع الرياضة مقارنة بالقطاعات الأخرى يبلغ (212.5 مليار دولار) أمريكي أي ضعف قطاع السيارات وأكبر حجما من قطاع المرافق العامة..!
ولا شك أن الفساد ومظاهره يعد آفة مجتمعية عرفتها المجتمعات الإنسانية منذ فجر التاريخ، وهو مرض عضال تعيشه معظم الدول والمجتمعات سواء كانت متقدمة أو غير متقدمة ويرتبط ظهوره واستمراره برغبة الإنسان في الحصول على المكاسب المادية أو المعنوية بصرف النظر عن استحقاقه لها أم لا..! ومع ذلك يسعى للحصول عليها، ولذلك يلجأ إلى وسائل سرية وطرق ملتوية للوصول إليها وامتلاكها سواء عن طريق الرشوة أو المحسوبية أو الواسطة أو استغلال السلطة لأغراض غير مشروعة، أو الاختلاس العام وغيرها وإقصاء من له الحق فيها وحرمانه منها..!
وللفساد الذي يضع (يده) على كل المجالات وفي جميع الاتجاهات.. حتى الرياضة لم تسلم من مكروباته له عدة أشكال وأنواع.. مثل الفساد العلمي والفساد الاجتماعي والفساد الرياضي والفساد الأخلاقي والفساد البيئي والفساد الاقتصادي والفساد الإداري.. وغيرها من مظاهر وأشكال الفساد في مجالات الحياة عامة.
ومن مظاهر الفساد ما يسمى «بالفساد الرياضي» الذي يشكل ظاهرة عالمية ووباء يلحق بكل المجتمعات البشرية دون استثناء وبدرجات متباينة تؤثر سلبا على نزاهة وشفافية الأنشطة الرياضية في المجتمعات، ويمكن أن يتخذ أشكالا متعددة، منها التلاعب بالنتائج، الرشوة، والتزوير وتعاطي المنشطات، والعنف، والتعصب الرياضي، العنصرية وغيرها.. وبالتالي فإن الفساد الرياضي يضر بصحة ومصداقية الرياضة ويقلل من قيمتها الأخلاقية.. ويؤثر بالتالي على البناء الرياضي وتطوير حركتها وأنشطتها في المجتمع المعاصر.
والأكيد أن المملكة العربية السعودية تبذل جهودا كبيرة في مكافحة الفساد في مختلف المجالات، بما في ذلك المجال الرياضي.. وهذه الجهود تشمل تعزيز الشفافية، وتأصيل مبدأ النزاهة ومنها إنشاء الهيئة الوطنية للرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) التي تعمل على تعزيز النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد في جميع القطاعات، بما في ذلك القطاع الرياضي.!
كما أن اللجنة الأولمبية العربية السعودية تلعب دورا مهما في وضع سياسات مكافحة الفساد في الأنشطة الرياضية وضمان تطبيقها.. فقامت المملكة وتماشيا مع رؤيتها الطموحة (2030) بوضع قوانين صارمة لمكافحة الفساد، وتشمل هذه القوانين عقوبات مشددة على المخالفين.. وتطبيق لوائح رياضية تتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد في الرياضة.
إضافة إلى تشجيع الأندية والاتحادات الرياضية على الإفصاح المالي والشفافية في إدارة الأموال.. وإجراء عمليات تدقيق ومراجعة دورية للأنشطة الرياضية لضمان النزاهة والشفافية فضلا عن التعاون مع منظمات دولية مثل الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (WADA) لتعزيز جهود مكافحة الفساد الرياضي ومظاهره، حتى في استضافة فعاليات رياضية دولية.. تلتزم المملكة بالمعايير الدولية لمكافحة الفساد، كما تم توظيف التقنية الحديثة والابتكار في استخدام نظم إلكترونية متقدمة لرصد المخالفات وتعزيز الشفافية في العمليات الرياضية.. وتبني تقنيات التحليل البيولوجي للكشف عن تعاطي المنشطات. واخيرا فرض عقوبات صارمة على المتورطين في قضايا الفساد الرياضي لضمان ردع المخالفات.. ومحاسبة جميع الأطراف المتورطة في الفساد، وأمام هذه الجهود الجبارة في سبيل مكافحة الفساد ومثالبه في وسطنا الرياضي.. يبقى دور (الإعلام الرياضي) المحوري ووسائله المختلفة في التفاعل مع الجهود الوطنية الكبيرة لكونه إحدى الوسائل المهمة لمكافحة مظاهر الفساد والتصدي لها في مجتمعنا الرياضي من خلال الارتقاء برسالته السامية ورفع سقف الوعي المجتمعي وتصحيح المسارات الخاطئة.. بعيدا عن لغة الانتماء والميول الرياضية من أجل تعزيز ثقافة النزاهة والشفافية ونشر إنجازات مكافحة الفساد في المجال الرياضي ودعم أعمالها الوطنية (إعلاميا) في فضح الفساد وكشف قناع أصحابه..! حتى تصبح رياضتنا.. رياضة نزيهة ذات بيئة نظيفة.. خالية من فيروسات الفساد أمراضه..!