د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
دائماً ما نؤكد أن المنهج التعليمي يجب أن يتم تأطيره وتطويره حول المخرجات، وليس مجرد نطاق وتسلسل لمدخلات المحتوى الذي يتقيد برؤية قائمة على المواد الدراسية فقط، ونشير إلى ذلك باعتبار المنهج التعليمي جوهر النظام التعليمي، فهو المفتاح لأي مبادرة تستهدف تحسين وترقية الوضع الاجتماعي الوطني، كما أنه يقدم رؤية واضحة وشاملة لتطوير نظام التعليم وتشكيل هيكلية عالية الجودة والاستيعاب الأمثل لمحمولات الأعمال المستهدفة؛ كما أن المنهج يعتبر المستند الأساس لتحديد الكفاءات اللازمة من القوى البشرية؛ وهنا نتساءل عما هو مطلوب من المناهج والقائمين على صناعتها ليكون الإنسان السعودي ناجحا في الحياة منافسا عالميا؟ وماهي خصائص الإنسان السعودي الذي سوف تتشكل ذهنيته من خلال تلك المناهج؟ وكيف تزهر مكونات الهوية الدينية والثقافية حين زرعها من خلال المنهج؟ وكيف تبني استراتيجيات تعليمية وتربوية مبتكرة في متن المنهج التعليمي لدمج مفاهيم الوطنية؟ وكيف تستخلص ممكنات المنهج وسيرورة وجوده وتربعه في الذاكرة من خلال تحليل استراتيجيات الوزارات والهيئات الوطنية ومن ثم التكامل معها؟ حيث إن المنهج هو الناقل الأمين لتلك الاستراتيجيات إلى طور التطبيق من خلال اتفاق يشمل مجموعة من أصحاب المصلحة!
والمنهج أداة واسعة النطاق تسهم في دعم وتطوير سياسات التعليم المرتكزة على منظور طويل المدى، كما أنه يقود عمليات الصياغات الأعمق لأنظمة التعليم لمواجهة التحديات ويحقق مشاركة أكثر للأجيال في عمليات صنع القرار التعليمي وتحطيم الحواجز بين المدارس والمجتمعات وتوسيع تجارب الطلاب.
وتأسيسا على ما طرحناه في ذلك فلابد أولا من مصافحة نظريات التعلم بود وحفاوة! فمن المنظور الحالي فُرضتْ على الطلاب المناهج بمحتوياتها من المواد العلمية والأسئلة المشتركة، ولكن هناك حزمة من الكفايات التي لابد من تضمينها في المناهج التعليمية لتعقد اتفاقيات منصفة مع نظريات التعلم وهي الكفايات المرتبطة باللغة والثقافة والتواصل والكفايات التي تنتج الفكر والعمل المستقل وتكوين الرأي المستنير حول قضايا الساعة، ويشمل ذلك نقاط التلاقي للتعليم بممكنات التعايش وكفايات الثقافة التي تعزز المشاركة الفعالة والمبتكرة والمسؤولة في المجتمعات وكفايات المعارف التي ترتبط بمفهوم التعليم الشامل الذي ينقل لهم كل ما يمكنهم من قيادة وتحمل المسئولية في مسيرة الحياة ومن ثم صناعة المنهج الذي يُقدر التنوع والاختلاف ويدمجهما.
ولابد من وقفة مبصرة عند العوامل الاجتماعية والوجدانية، حيث منها تتوالد الاستدامة وهي أيضا نقطة انطلاق لعمليات التعليم والتعلم والتقييم، والخلاصة الأولى بالاهتمام والعناية أن أي منهج تعليمي يجب أن يرتكز على فهم حقيقي للمعرفة التي نريد أن يكتسبها المتعلمون ومواجهة التحدي التعليمي، وهو تحد في حد ذاته لصياغة مستقبل أرقى للطلاب وتحويل المنهج إلى ممارسات حقيقية من خلال إعادة النظر في المحتويات الفكرية في قوالب المنهج التعليمي الذي تنطلق منه المهارات المتصلة بالقضايا الاجتماعية والبيئية والصحية والرياضية وسواها من مرايا المجتمع.
وختاماً حتى يستطيع الطلاب التحكم والاحتكام والمشاركة المسئولة يحتاج المركز الوطني للمناهج إلى النظر للمنهج كعملية لتطوير السياسات العامة التي يمثلها المعنيون من أصحاب المصلحة باعتبار التعليم منفعة مشتركة؛ وأن تعمل خطوط الانتاج للمنهج التعليمي نحو بدائل تضمن تحقيق المرونة المؤسسية والمنهجية التربوية لتوجيه التعليم لفئات متنوعة من الطلاب من خلال حزمة من خبرات التعلم المرتبطة بدوافع الطلاب وقدراتهم واهتماماتهم وأن يؤصل المنهج التعليمي لتقدير المعلمين وتمكينهم كمنسقين ومديرين وصانعي سياسات ومطورين في الفصول الدراسية!
تمنياتنا للمركز الوطني للمناهج بسداد الرؤى وجدارة المنتج والنتيجة!