د. تنيضب الفايدي
بعد ما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة النبوية، أول عمل عمله هو بناء المسجد النبوي الشريف وتأسيسه، حيث كان المسجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يؤدي وظائف متعددة، منها أنه كان معهداً للتعليم والتدريس بجانب أداء الصلاة والعبادة ومهام أخرى، فكان المسجد النبوي الشريف منطلق العلم والثقافة، حيث خرج منه علماء كبار.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقطع ذلك النشاط العلمي والثقافي في المسجد النبوي الشريف، بل توسع وازداد بعد الفتوحات الإسلامية، حيث أصبح المسجد النبوي خاصة في العهد الراشدي مقصداً لطلاب العلم ليتعلّم من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم العلم في المدينة مباشرة دون واسطة، فاكتظ المسجد النبوي بحلقات العلم في شتى الفنون والعلوم، وأصبحت سواري المسجد النبوي مواقع للقراء والمحدثين والفقهاء وأهل العلم.
وتواصل النشاط العلمي والثقافي وبلغ ذروته في العهد الأمويّ، وظهر في المدينة المنورة عُلماء كبار، كانوا أول من وضع أسس العلوم الإسلامية المختلفة في الفقه والحديث والتفسير وأصولها، وفي اللغة العربية وعلومها.
كما لم ينطفئ شعاع العلم والثقافة في العصر العباسي في المدينة، بل كان المسجد النبوي مناراً للعلم والتدريس وكان لعلمائها الفضل الأكبر في التأليف والتدريس وتجديد العلوم.
ومرتّ الأيام ومضت عهود ولا زالت المدينة هي مصدر العلم و الثقافة وأصبحت حلقات العلم في المسجد النبوي مثل الجامعات المفتوحة يتخرجون منها عشرات من الطلاب حتى جاء العهد الميمون، العهد السعودي الزاهر، حافلاً بالأمن والأمان والاستقرار، فاهتم الجوانب العلمية والثقافية بأشد الاهتمام في المدينة، حيث أقيمت حلقات عديدة من المشايخ في المسجد النبوي الشريف يلقون المحاضرات ويدرسون الطلاب والزوار عدداً من المواد، وفتحت مدارس عديدة للجنسين (الذكور والإناث).
الجانب العلمي والثقافي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
(اقرأ) أول كلمة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا أعلن الإسلام أهمية الجانب العلمي والثقافي لديه، فبعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، بلغت الحركة العلمية في المدينة أعلى درجة لها، بل بلغت أرقى درجة لها في العالم في زمن نزول الوحي، لتتابع القرآن بالنزول لتعليم الناس، ولحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه في كلّ يوم، وحاول الإسلام أن يغرس في قلوب البشرية بأن الإقبال على العلم خيرٌ من التكالب على نعيم الدنيا، فعن موسى بن علي بن رباح يقول: سمعت أبي يقول: سمعت عقبة عامر يقول: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ونحن في الصفّة فقال: «أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان - أو العقيق - فيأتي كل يوم بناقتين كوماوين زهراوين فيأخذهما» قلنا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك قال: «فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خيرٌ له من ناقتين وثلاث خير من ثلاث، وأربع خيرٌ من أربع وأعدادهن من الإبل». رواه مسلم.
وأصبح المسجد النبوي في مقدمة المراكز العلمية حيث كان الصحابة رضي الله عنهم يتعلمون فيها كل ما ينفعهم من أمور دينهم ومصالح دنياهم، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قام في المسجد، فقال: «يا رسول الله! من أين تأمرنا أن نهلّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهلّ أهل الشام من الجحفة، ويهلّ أهل نجد من قرن». ولعل السر في ذلك أن ترتبط حياة المسلم بالمسجد فيصبح معبده الذي يتبتل فيه، ومدرسته التي يتعلم فيها، وناديه الذي يلقى فيه إخوانه. وقد مرّ أبو طلحة رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء.
وعن واثلة ابن الأسقع رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم في صفة المهاجرين، فسأله إنسان: أيُّ آية في القرآن أعظم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم». رواه البخاري.
وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم تحوّل المسجد النبوي إلى مركز علمي وتربوي ومنبر للثقافة، ففي الروضة الشريفة مجموعة من السواري وكانت من جذوع النخل وسميت لاحقاً الأسطوانات واشتهر منها ثمانية، إحداها (أسطوانة الوفود) سميت بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الوفود عندها ولاسيما في العام التاسع، ولازالت في موقعها حالياً في الجزء الشمالي الغربي من حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث تُلْقَى أمامه صلى الله عليه وسلم الكلمات والبيانات وقصائد الشعر، ولذلك شواهد تطبيقية متعددة: فهذا وفد بني تميم قد قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فألقى خطيبهم خطبة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ لإلقاء الخطبة ثم ألقى شاعرهم أبياتاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت وأمره بالرد فأنشد أبياتاً فَقَامَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ رئيس الوفد وقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمُؤْتَى، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هَذَا الأَمْرُ، تَكَلَّمَ خَطِيبُنَا فَكَانَ خَطِيبُهُمْ أَحَسَنَ قَوْلا، وَتَكَلَّمَ شَاعِرُنَا فَكَانَ شَاعِرُهُمْ أَشْعَرَ، ثُمَّ دَنَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.
ويتضح من تبادل الكلمات بين خطيب وآخر وكذا قصائد الشعر بين شاعر وآخر ثم الحكم على كلّ منهما أن المسجد النبوي كان من المراكز الثقافية الأولى.
وها هو كعب بن زهير يلقي بعد الصلاة مباشرة قصيدته أمام النبي صلى الله عليه وسلم:
بانَتْ سُعادُ فَقَلبي اليومَ مَتْبولُ
مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ
وما سعادُ غَداةَ البيْنِ إذ رَحَلوا
إلاّ أَغَنُّ غَضيضُ الطَّرْفِ مَكْحولُ
وقيلت هذه الكلمات الرائعة في مسجده صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة مباشرة وأعجب بها وأهداه جائزة ثمينة (بردته) صلى الله عليه وسلم.
الجانب العلمي والثقافي في عصر الخلفاء الراشدين
إن عصر الراشدين امتداد واضح للعصر النبوي فلا غرابة أن يكون انتشار الحركة العلمية والثقافية فيه مسايراً لكل ما يجد من فتوح وتطور، ففي عهود الخلفاء الراشدين أصبحت المدينة المقصد الأول لطلاب العلم من شتى أرجاء الدولة الإسلامية وكانت غايتهم لهذا السفر؛ ليستفيد من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام و ليأخذ عنهم مباشرة ودون واسطة، فبرز في المدينة نشاط علمي منقطع النظير، خاصة في المسجد النبوي الذي اكتظّ بحلقات العلم في شتى الفنون والعلوم، وكان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يجلسون لرواية الحديث والإفتاء والقضاء، حيث استفاد من علمهم الآلاف، وصارت سواري المسجد النبوي مواقع للقراء والمحدثين والفقهاء وغيرهم من العلماء، يتحلّق حول كل منهم مجموعة من الشغوفين بالعلم يسمعون، ويكتبون ويسألون ويُجابون.
الجانب العلمي والثقافي في العهد الأموي
لم تنقطع الحركة العلمية بعد عصر الخلفاء الراشدين، بل تواصل النشاط العلمي والثقافي حتى بلغ ذروته في العهد الأموي فالمسجد النبوي الشريف كان منطلق العلم والثقافة حتى ما بعد عصر الخلفاء الراشدين، حيث كان التعليم مستمراً في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كانت بمثابة (الجامعة المفتوحة)، حيث وجدت طبقات من العلماء متتالية يعلمون الناس ويدرّسون العلوم الدينية والإسلامية، والعربية والتاريخ، والتراجم والفلك والرياضيات، والمنطق والفلسفة والفرائض، وغير ذلك من العلوم، تدرس في حلقات بعد الصلوات الخمس وما بينها، وتخرج منه العلماء والفقهاء والمفسرون والمحدثون والكتاب والمفكرون والفلكيون والرياضيون والأدباء والشعراء والقادة والمصلحون، فقد روي أن للإمام مالك مؤلفاً في الفلك والإمام درس وعلّم وتعلّم في المدينة. فلم تكن مهمة المسجد النبوي مقصورة على العبادات فقط، بل كانت أوسع من ذلك وكان من أعظم مهماته كونه مدرسة.
الجانب العلمي والثقافي في العصر العباسي
وفي العصر العباسي استمرّ إشعاع المدينة الثقافي، بما ازدهر بها من علوم، وما أثرت به في مجال الثقافة الإنسانية عموماً وثقافة الدولة الإسلامية خصوصاً، حيث كان لها دور فعّال في تشكيل الأنماط الثقافية التي عرفها المسلمون في العصر العباسي، نتيجة لحركة العلماء وتبادل الأفكار، فكان المسجد النبوي الشريف مركزاً علمياً هاماً لكل من يريد العلم.
الجانب العلمي والثقافي قبيل العهد السعودي
إن المدينة المنورة كانت إحدى المراكز التي لم تخمد الشعلة الثقافية فيها وذلك لأن المسجد النبوي أكبر مركز للثقافة في المجتمع الإسلامي رغم أي أحداث وقعت، ولوجود عدد كبير من العلماء سواء من داخل البلد أو من البلدان الأخرى المسلمة، حيث كثيرٌ من العلماء يقدمون إلى المدينة للزيارة فيعقدون حلقات التدريس في المسجد النبوي والبعض منهم اختاروا سكناً، ولوجود كتاتيب عديدة ساهمت في تعليم أولاد المسلمين القرآن الكريم منذ الصغر.
الجانب العلمي والثقافي في العهد السعودي
في العهد السعودي وبعد ما استقرت الأمور وانتشر الأمن في أرجاء الدولة، وخاصة الحرمين الشريفين، حيث أمن هذين البلدين وكذا تأمين طرقهما كانت من أولى اهتمام الملك عبد العزيز رحمه الله لراحة الحجاج والمعتمرين والزوار إلى البيت الحرام والمسجد النبوي الشريف، بدأت الحياة العلمية والثقافية تتجه نحو التطور والارتقاء شيئاً فشيئاً، وتتمثل المحاضن الرئيسية للحياة العلمية والثقافية حينئذ في حلقات العلم في المسجد النبوي والكتاتيب، بجانب التعليم الأهلي والتعليم الرسمي.
حلقات العلم في المسجد النبوي
كان للمسجد النبوي الشريف في نشر العلم وخدمة الشريعة دورٌ فريدٌ في كل عصرٍ من العصور، حيث يعد المسجد النبوي الشريف أحد المنابع العلمية التي يستفيد منها كثير من طلاب العلم في حاضر الوقت وماضيه، فكم أقيمت حلقات العلم في هذا المسجد، وكم من المشايخ الكبار درّسوا في هذه الحلقات، وكم من الطلاب تخرجوا بعد ما تسلّحوا من العلم النافع من حلقات هذا المسجد، وكيف لا، وقد كان المسجد النبوي هو منبر العلم والثقافة منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعدما أصبحت المدينة تحت مظلة العهد السعودي في عام 1344هـ اهتمّ الملك عبد العزيز رحمه الله هذه المدينة جلّ اهتمامه في التعليم فكان أول مظهر عاد في العهد السعودي من المظاهر العلمية والثقافية هي حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف، حيث عين محمد بن عبد العزيز الشيخ زين العابدين مديراً للحرم، كما أقرّ الشيوخ الذين كانوا يدرسون فيه، وما مضت إلا أيام حتى كثر عدد الدارسين، وخاصة بعد رجوع من خرجوا من العلماء والطلاب أثناء الحصار للمدينة، وهكذا اجتمع في المدينة عددٌ كبيرٌ من العلماء وخاصة من بلاد إسلامية وأصبحت المدينة مجمع الحضارات العديدة والثقافات المختلفة، وقد أصبحت ساحات وجوانب المسجد النبوي زاخرة بحلقات العلم، وامتلأت أروقة المسجد النبوي الشريف بهذه الحلقات، تدرس القرآن والنحو التفسير والحديث والتوحيد والفقه وعلوم اللغة العربية، وهناك علماء لهم حلقات تدريس (علم الميراث) في داخل المسجد النبوي الشريف لتعليم توزيع الإرث، ويقصدها كثير من الطلاب حيث يعتبر علم الإرث من العلوم الأساسية في التاريخ الإسلامي، فكانت بمثابة الجامعة المفتوحة، ولا زال المسجد النبوي -ولله الحمد - يواصل عطاءه العلمي والثقافي إذ يضمّ عشرات الحلقات العلمية لعلماء كبار، وعدداً من الحلقات الموسمية للحجاج والزوار بمختلف اللغات.
ومن الجوانب الثقافية والعلمية في المسجد النبوي الشريف أيضاً إقامة حلقات لتحفيظ القرآن الكريم في المسجد النبوي الشريف تحت الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي الشريف، حيث هيأت الوكالة المدرسين وخصصت لها مواقع مناسبة ووفرت لها فريق العمل لتنظيمها والإشراف عليها، وقد تخرج من هذه الحلقات عددٌ كثير من الطلاب وهم حافظون لكتاب الله كاملاً، كما استفاد من هذه الحلقات كثيرٌ من الزوار في حفظ القرآن وتجويده وأدائه الصحيح.
إن الاهتمام بحفظ القرآن الكريم وتجويدهليس وليدة الأمس، بل كان من أعمال الملك عبد العزيز رحمه الله النبيلة عندما دخل المدينة المنورة، فكان رحمه الله شديد الاهتمام بالقرآن الكريم وعلومه وحفظه وكان رحمه الله يشجع طلبة العلم على تدارسه في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما أصدر أوامره بتكثيف حلقات حفظ القرآن الكريم وتدارسه وتجويده في المسجد النبوي الشريف ومتابعة تلك الحلقات وتشجيع المتميزين في الحفظ بمكافآت لهذا الغرض مع تخصيص رواتب لمدرسي الحرم النبوي عموماً ومدرسي القرآن ومحفظيه على وجه الخصوص. وأمر بتشكيل هيئة سميت هيئة حفظة القرآن الكريم بالمسجد النبوي الشريف، وهذه اللجنة تهتم بحفظة كتاب الله وتتابع حلقات التحفيظ ورفع تقاريرها وتقدير المكافآت المطلوبة.
الكتاتيب في المسجد النبوي الشريف
تعتبر الكتاتيب من أقدم المؤسسات التربوية في العالم الإسلامي، ولا يمكن الحديث عن التعليم الأهلي في المدينة المنورة دون الحديث عن الكتاتيب ودورها التعليمي، لأن الكتاتيب كانت هي بداية التعليم الأهلي في المدينة المنورة. والكُتّاب جمعه كتاتيب، وهو موضع تعليم القراءة والكتابة، وهو من المؤسسات التعليمية الهامة التي وجدت في المجتمع الإسلامي لتثقيف الصغار وتربيتهم التربية الإسلامية الجيدة».
والكتاب في المسجد النبوي عبارة عن ردهة كبيرة تتراوح مساحته طولاً من 15-16 متراً، وعرضه من 8-10 أمتار، وبه حوض منحوت من الحجر مملوء بالماء وبجانبه «المضر» لمحو الكتابة وطلاء اللوح، وأمام مجلس الشيخ مجموعة من العصي من الجريد وعلى يمينه «طرابيزة» صغيرة ذات أدراج يوضع فيها الأقلام ودواة الحبر، وفي صدر الكتاب تعلق الفلقة، ويساعد الشيخ شيخ أو شيخان والباقون عرفاء حسب تعداد الطلاب».
وتبين مما سبق أن كلمة كتاتيب تعني المكان الذي يحفظ فيه الطلاب القرآن الكريم ويتعلمون.
وكان المسجد النبوي يزخر عدداً من الكتاتيب، فقد ذكر علي بن موسى في رسالته وصف المدينة المنورة عام 1303هـ-1885م أنه يوجد اثنا عشر كتاباً للقراءة في مؤخرة الحرم الشريف، وذكر صاحب مرآة الحرمين كتّاباً ذا طابقين أرضي وعلوي، بداخل طرقة باب المجيدي، وفي حجرات الردهة من الجهة الشرقية من المسجد النبوي حيث كان الصبيان يتعلمون القرآن الكريم ومبادئ العلوم الأولية.
ولما جاء العهد السعودي الزاهر كانت هذه الكتاتيب معروفة، وقد أولى بانيها رحمه الله الاهتمام بهذه الكتيبات ورعايتها ودعمها مادياً ومعنوياً وتربوياً، حيث خصص لكل معلم في كتاتيب الحرم النبوي في كل شهر جنيهين ذهباً تصرف من إدارة الأوقاف.
المكتبات
المكتبة هي مرفق من مرافق المعلومات يعمل علي اختيار وانتقاء مصادر المعلومات والعمل علي تنظيمها وتقديم خدمات المعلومات من خلالها، والمكتبات لها دور كبير في رقي الأمة ورفعتها؛ لأنها كنز المعرفة، يساعد كل من يريد الزيادة في علمه وتفيد في مواقف تتطلب الرجوع إلى مصادره الأصلية، وخاصة من ليس له إمكانيات لشراء الكتب واقتنائه، وتعمل على تربية جيل مثقف وواع قادر على تحمل المسؤولية في المستقبل، و تؤدي دوراً رائداً في نشر الوعي الثقافي بين أفراد، كما تقوم بتقديم الثقافة للمجتمع، اشتهرت المدينة المنورة بكثرة مكتباتها، فقد أحصى أحد الباحثين في أوائل القرن الرابع عشر الهجري خمساً وتسعين مكتبة، وبعضها تابعة للمسجد النبوي الشريف.
عرفت الحكومة السعودية قيمة هذه المكتبة فاهتمت بهذا الجانب الثقافي حيث أسست مكتبة في الحرم النبوي الشريف سنة 1359هـ، وتعدّ مكتبة المسجد النبوي الشريف مركزاً علمياً في المدينة المنورة من حيث الموقع حيث أنها تقع في قلب المسجد النبوي الشريف مما جعل لها مكانة مرموقة عند أهل العلم لقوله صلى الله عليه وسلم: «من جاء مسجدي هذا لم يأت إلاّ لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره». رواه أحمد والبزار. كما يسهل لزوار المسجد النبوي الشريف الاستفادة من هذه المكتبة لوقوعها داخل المسجد النبوي الشريف، وقد خصص في المكتبة قسم خاص للمطالعة للرجال وقسم آخر للنساء وتحتوي المكتبة عدداً من المخطوطات الأصلية ومصورات ورقية غير الكتب ذات أهمية بالغة.
وأخيراً فإن المسجد النبوي الشريف كان منارة علمية في كل عصر من العصور، وله دورٌ كبير في تعليم المسلمين وتوعيتهم وتثقيفهم، حيث هاجر إلى المدينة النبوية كثير من العلماء وأقاموا في المسجد النبوي الشريف حلقات التعليم والدروس في عدد من المواد. كما كانت هناك كتاتيب في المسجد النبوي الشريف يدرس فيها صغار أولاد المسلمين، وهذه الكتاتيب كانت عمود التعليم في المدينة المنورة، كما أن مكتبة المسجد النبوي الشريف تعد من أهم المراجع العلمية ولها جهود كبيرة في خدمة الباحثين وطلاب العلم.
بعض المراجع
إتحاف المهرة للعسقلاني، فصول من تاريخ المدينة المنورة لـ: علي حافظ، التاريخ الشامل للدكتور عبد الباسط بدر، المدينة جامعة إسلامية مفتوحة منذ فجر الإسلام، الكتاتيب في الحرمين الشريفين لابن دهيش، التعليم الأهلي في المدينة المنورة للحيدري، مرآة الحرمين لإبراهيم باشا، صور من الحياة الاجتماعية للخياري، رسالة وصف المدينة لـ: علي بن موسى.