خالد بن حمد المالك
كلما انزاح الحزن، وجفت الدموع، وغاب ما يكدر الخاطر، وحضر الفرح، وجاءت البشائر السارة، وطُوِّق الإنسان بما يسعده، وظن أنه أمام آخر أحزانه، زاره من جديد ما يضعه في ميزان القدرة على تحمّل مصابه، والصبر على ويلات الحياة، واسترجاع (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) قبولاً لا اعتراض عليه، واستسلاماً من غير مواجهته إلا بالدعاء، واليقين برحمة الله.
* *
أجل، ها هو الحزن يطوِّقنا، والدموع تهل من مآقينا، وتبلِّل وجنتي كل منَّا، دون أن نقوى على منعها، متى كان الفقد يمثِّل خسارة لنا، ويترك غيابه فراغاً كبيراً بيننا، ما أحسبه صدمة مؤثِّرة رغم اليقين بأن هذا قدرنا جميعاً، وأن ما أصابنا في هذا اليوم سيصيبنا مثله غداً في حبيب آخر، وإن ظل المكان والزمان مجهولين لنا إلى حين أن يختارهما الله لعباده في اليوم الموعود والمكان المشهود.
* *
فهد بن إبراهيم العمرو، شاب خلوق جمع من التميُّز ما يعرفه كل من لازمه أو صادقه أو كان قريباً منه، فقد كان ذا خلق، وصاحب ابتسامة لا تغيب، أنيساً في كلامه، وصاحب جاذب في صحبته، باراً بوالديه، وصادقاً مع نفسه ومع الآخرين، لا تسمع منه إلا ما يحببك فيه، يأسرك منطقه، وتستلهم منه العلو في القيم والأخلاق ونكران الذات، ملتزماً دينياً، ولكن دون غلو بحسب ما أعرفه عنه.
* *
مات -رحمه الله- يوم الجمعة الماضي، بينما كان يتلقى العلاج في الولايات المتحدة الأمريكية، فبكاه أهله وذووه وأصدقاؤه وعارفوه، وترحَّم عليه ودعا له كل من وصله خبر وفاته، وتركت وفاته رنة أسى، وشعور من الجميع بأنهم مكلومون ومحزونون، وأن فراغاً سوف تتركه وفاة شاب مثله، لكن الإيمان اليقين بأن الموت حق هو ما سوف يخفف مرارة الألم بفقده.
* *
فإلى والده اللواء متقاعد إبراهيم عبدالله العمرو وإلى والدته أختي الغالية فاطمة بنت حمد المالك، إلى أبنائه وبناته وإلى زوجته وشقيقاته وإلى جميع أسرتي المالك والعمرو وأرحامهما وأصهارهما أقدِّم أحرَّ التعازي في فقيدنا الغالي، سائلاً الله أن يمنّ علينا بالصبر والسلوان، وأن يتغمد (أبوعبدالله) بواسع رحمته ورضوانه، وأن يجعل مستقره في عليين، في روضة من رياض الجنة، (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).
* *
الرسالة الأخيرة
آخر ما وصلني من الفقيد الغالي فهد العمرو (أبوعبدالله)
خالي العزيز..
حين قدر الله علي بحكمته بهذا المرض الذي أعتبره شخصياً (نعمة) وليس ابتلاء، لأن الابتلاء يصحبه إثم أو أجر حسب نوع الابتلاء، لكن ما أعيشه حالياً مع المرض هو نعمة -بإذن الله- لأني مأجور عليه..
وجعله الله مصحوباً بدعوات صادقة ومشاعر نبيلة من قبلكم مما كان له أطيب الأثر على نفسيتي وتأثير التداوي.
كم كنت أتمنى أن أكون بينكم أشارككم فرحة العيد وجميع مناسبات العائلة، ولكن الله أسأل أن يعجل بلطفه وكرمه ورحمته علي بالشفاء لأكون بينكم في القريب العاجل.
خالص التقدير لكل ما يصلني منك خالي العزيز من تواصل ودعوات صادقة.
أرجو نقل سلامي وتهنئتي لجميع أفراد أسرتنا الكريمة بالعيد المبارك.
وكل عام وأنتم إلى الله أقرب بأتم صحة وعافية.
أبوعبدالله - بوسطن