مشعل الحارثي
ونحن نودع عاماً رحل ونستقبل عاماً جديداً أطل كم يتمنى البعض أن يسقطه من حسابات الزمن، ويظل واقفاً على حافته حتى لا يتلوى الماً بسياط ذلك السؤال الصعب، ترى: كيف هرب العمر ومضى متسللاً من بين أيدينا؟ وكيف تساقط العمر وتسربت السنوات عاماً بعد آخر من شرفة حياتنا؟ ترى كيف مضى قطار العمر مسرعاً ولم يلتفت صوب الأيام الماضيات وأحلام الليالي الواعدات ووهج الأمنيات وطيب الأمسيات؟ وسرق معه ربيع العمر وزهوه وعنفوان الشباب وفتوته وأين منا المواسي في هذا الفقد الجسيم؟
ويح قلبي وأين مني المواسي
أين مني فتوتي ومراسي
أين مني الرفاق أين ليال
كالرؤى غودرت وأين الأماسي
أين أيامنا وماهي الا
من حبور ولائم عرس
وكأننا بذلك نتغافل أو نتناسى عمداً أن هذه هي الحياة، وهذا هو العمر مراحل ومحطات وانتقال من حال إلى حال ومن زمان الى اخر ونراه يسوقنا خلفه ونحن نسوقه أيضاً في لهاث مستمر، حتى نجد أنفسنا مستسلمين أمام تلك الحقيقة التي تشير إلى أننا نكبر رقماً لا عمراً لأن الحياة الحقة هي حياة الروح لا حياة الجسد والشاهد أن من يحمل بين جوانحه قلباً صافياً نقياً من كل الشوائب يسكن بداخله على الدوام ذلك الطفل الوديع الذي يهبه اكسير الحياة، فيراه العالم صغيراً وفي مقتبل العمر والشباب بينما بحساب الوقت والزمن نراه كبيراً وتجاوز عتبات نشوة الحياة.
مرت سنون بالوصال وبالهنا
فكأنها من قصرها أيام
ثم انثنت أيام هجر بعدها
فكأنها من طولها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلام
ومع اطلالة عامنا الهجري الجديد 1446هـ أتمنى أن يقف كل منا معه وقفة عجلى وعابرة لنتأمل ذواتنا ونقيم قدراتنا، ونراجع فيها أحوالنا ونقلب كشوف العام المنصرم وما قبله من سنوات ونسأل أنفسنا ترى ماذا عملنا؟ ماذا أضفنا وانجزنا؟ كيف هي علاقاتنا ببعضنا؟ وقبل ذلك كله: كيف هي علاقتنا بخالقنا الذي اوجدنا من العدم ليختبر صبرنا وجلدنا على مقاومة أعباء الحياة ومنغصاتها وكدها وكبدها وتخطي اسوارها الشائكة بيقين وعزم وثبات.
وما الحياة سوى جسر نمر به
الى المعاد وثم الخلد والوطن
وخير ما يتواصى المؤمنون به
حق وصبر هما الاحصان والجنن
وكم أتمنى ومع هذه الاطلالة الجديدة من مسيرة العمر أن نكون دوماً أكثر تفاؤلاً وإيجابية ولا نحزن على ما انقضى وفات، وتكبر فينا الثقة بالنفس وبأننا قادرون على التغيير نحو الأفضل بالعزيمة الصادقة وتجاوز كل تلك النقاط السلبية والسوداوية المقيتة التي تحاول دوماً أن تحرك فينا وحشة النفس والحياد بها عن انسانيتها الحقيقية وتحيطها بذلك السياج الشائك من العجز والكسل والا مبالاة والغرور والكبرياء.
كما علينا أن نستقبل الحياة بكل علاتها ولا نتأثر بأجوائها المتقلبة، ونعي احلامنا تماماً، ونصر على تحقيق ما نريده لأنفسنا، ونحذر كل الحذر من أولئك المثبطين والمحبطين، أو السير في الطريق الخطأ والمكابرة على ذلك، لأن عواقبه سوف تستقطع جزءا كبيراً من حياتنا وتجعلنا نعيش في دوامة الخوف والقلق، ونفقد ذلك الطفل الذي بداخلنا ومعه أيضاً نفقد أن نكون في زمرة الإنسانية ونكون نسياً منسيا، وعلينا أيضاً أن نتذكر ومع هذه الاشراقة الجديدة كم نحن مدينون لبعض الرائعين الذين مروا في حياتنا وتركوا لهم بصمات لن تنسى فنكون لهم غمامة تمطر بالحب والوفاء والذكرى الحسنة ، وكل عام وقيادتنا الرشيدة وأنتم والوطن بألف خير وجعله الله عام محبة ووئام وعطاء وسلام وحقق فيه كل الأماني والآمال.