حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
في يوم تاريخي عريق وقف شاعر الشعب والنيل حافظ إبراهيم (1872م - 1932م) راثياً باكياً اللغة العربية برائعة شعرية فيها حلاوة اللغة، وطلاوة الأدب وإشراق الديباجة وفصاحة البلاغة، واليوم يقف أبو بشار خالد الحمد المالك راثياً صحافته، مستغيثاً محذراً مما يُحاك لها، ويُرسم حولها، فكان خير ترجمان لها في حسها وإحساسها، وخير مواس ٍلها في ألمها وآهاتها.
أبو بشار ضعه إن شئت تحت عنوان: (ما ذلت صحافة شعب إلا ذل، ولا انحطت صحافة شعب إلا كان أمره في ذهاب وإدبار)، ومن قبلنا وما يزيد على قرن، قال شوقي لحافظ:
يا حافظ الفصحى وحارس مجدها
وإمام من نجلَت من البلغاء
ونحن نرجز بالشعر منشدين في أبي بشار:
يا حافظ الصحف وحارس مجدها
وإمام من نجلت من البلغاء
وإن أبيت إلا الأخرى فضعه تحت عنوان: (الصحافة السعودية تنعى حظها بين أهلها).
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني
عقمت فلم أجزع لقول عِداتي
ولدتُ ولما لم أجد لعرائسي
رجالاً وأكفاءً وأدت بناتي
إلا أن واسطة العقد، ومربط الفرس، وبيت القصد والقصيد الذي يرسو على تجربة المالك بعدتها وعتادها ذلك البيت الشعري العبقري:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
ولكن السؤال الذي يضرب في الصميم ما هي الصحافة عند خالد الحمد المالك؟
هي أم اللغات، وأبلغ اللسانيات، فيها كل حرف عجيب، وبها كل منطق غريب، حادة كحد السيف، قوية كقوة البرق، مجلجلة جلجلة الرعد، يقول الإعلامي القدير تركي الدخيل في المالك القول الفصيح التالي:
(لا يمكن أن يتحدث أحد عن الصحافة السعودية، دون أن يرن في سطره جرس جميل النغمة، يحمل اسم أبي بشار الأستاذ خالد الحمد المالك، المولود بمحافظة الرس في منطقة القصيم، وسط السعودية في 1943، فهو واسطة العقد، ورمانة الميزان، وأستاذ الأجيال، وصانع نجوم الصحافة، وثالث الثلاثة الكبار: تركي السديري، هاشم عبده هاشم، وخالد المالك) ويسترسل قائلاً: (إذا فاتتك رؤية الشغف والفخر يمشيان على قدمين فانصت إلى المالك وهو يحكي قصة تحويله الجزيرة لجريدة يومية) ويقول: (اليوم يقف خالد المالك منافحاً بكل قوته من أجل بقاء الصحافة الورقية واستمرارها، تارة يحدثك عن القوة الناعمة، وتارة أخرى يحدثك عن فئة لن تتخلى عن التصفح الورقي، يصرخ بأعلى صوته محذراً من تشييع الصحافة الورقية معتبراً إعلان وفاتها، ليس ضرراً يلحق بالمؤسسات الصحافية فقط، بل كارثة تصيب المهنة والصحافيين ووسائل التأثير والآثار السلبية لن تظهر فوراً بل ستمتد لسنوات مقبلة)، وبذكر المالك سارت ركبان الصحافة وهو الشادي بالقول التالي: (منذ أكثر من خمسين عاماً إلى اليوم فلا ينبغي أن يفرط بإنجاز إعلامي كبير، مضى عليه أكثر من نصف قرن)، وفي تناغم حديثي بين المالك وبين الصحافة وهو يساقطها القول: (قضيت ما مضى من عمري كله في بلاط صاحبة الجلالة - الصحافة - بكل تقلباتها وأسرارها ومعاناتها، وأمضيت فيها أجمل الفترات، ونلت منها الكثير من المنغصات، وبقيت وفياً لها، محباً للعمل بها، لا أنهزم بموقف كدّر خاطري فأضطر إلى الابتعاد عنها (برغبتي)، ولم أشعر ذات يوم بأن علاقتي بها أصابها الفتور أو الملل).
ويرفع صوته قائلاً: (الأمر يحتاج إلى تدخل سريع من أعلى سلطة في الدولة، خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - حتى لا تفقد المملكة مؤسسات صحفية عملاقة تم بناؤها وتطويرها لتؤدي رسالتها في خدمة البلاد على الوجه الأفضل والأحسن). ويمعن المالك في وضع الحلول قائلاً: (ولا يخامرني أدنى شك أنه متى ما وصل صوت المؤسسات الصحفية إلى صاحبي المقام العالي الملك سلمان والأمير محمد، وعُرض عليهما الوضع الحقيقي للحالة التي تمر بها المؤسسات الصحفية، فإنهما لن يترددا - كما اعتدنا منهما - في إيجاد مخرج لها من الوضع الحالي الذي تمر به وفق رؤية تنسجم مع متطلبات رؤية المملكة 2030). وعلك تسأل: من هو المالك؟
هو أقدم رئيس تحرير عُرف في بلاط صاحبة الجلالة، يقول عنه داود الشريان: (خالد لا يشبه أحداً في تاريخ الصحافة العربية، ليس صحافياً بالمعنى التقليدي للكلمة، بل هو صانع صحف وصحافيين وهو رئيس تحرير رؤساء التحرير، ليس لأقدميته فحسب، بل لأنه يملك قدرة متفردة في الإدارة الصحفية، والتقاط المواضيع التي يحبها الناس، وخلق بيئة عمل للصحافيين دون أن يشعر بأنهم يسرقون الضوء منه، فضلاً عن دعمه لأكثرهم إبداعاً ومهنية، وهو من يمارس المنافسة بفروسية نادرة وهو حين ينافس لا يتأمر أو يشهر سيفاً بل يتمسك بشعرة معاوية)، ومن يعاصر خالد الحمد المالك وهو على عرش صحافته يدرك للتو إرهاصته في مسيرته الثرة الثرية، فقد كان راعياً لصحافيين وكتاب صار لهم تاريخ متطاول في هذه المهنة، هم أفذاذ زمان، ورجالات صحافة، وكانوا حوله متحلقين، وللأستاذ تركي الدخيل أكيل الشكر بإخلاص حينما جمعهم في البوتقة التالية، وحوصل زمرتهم فقال:
(احسبوا معي، نتاج منجم، جزيرة خالد المالك، آنذاك، إذ تخرج منها:
* عثمان العمير، رئيس تحرير مجلة المجلة ثم صحيفة الشرق الأوسط.
* عبد الرحمن الراشد رئيس تحرير مجلة المجلة ثم صحيفة الشرق الأوسط ثم مدير قناة العربية.
* محمد الوعيل رئيس تحرير صحيفة المسائية ثم صحيفة اليوم.
* محمد التونسي نائب رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط ثم رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية ورئيس تحرير صحيفة عكاظ ومدير قناة الاخبارية.
* حمد القاضي، رئيس تحرير المجلة العربية.
* علوي الصافي رئيس تحرير مجلة الفيصل.
* عبدالعزيز العيسى رئيس تحرير مجلة الدعوة.
* مطر الأحمدي رئيس تحرير مجلة سيدتي ثم مجلة لها.
* فهد الفريان رئيس تحرير مجلة غرفة تجارة الرياض.
* صالح العزاز - رحمه الله - رئيس تحرير صحيفة اليوم بالنيابة، ثم رئيس تحرير مجلة غرفة تجارة الرياض.
* محمد الكثيري - رحمه الله - رئيس تحرير مجلة (أصداف).
وغيرهم ما زال باقياً في الكناشة وهم كثر.
وصفهم المالك فقال: (لم أشعر يوماً ولو لحظة واحدة أن من عمل معي كان تلميذاً، كنت أنظر إليهم بدون استثناء على أنهم زملاء كبار، يشاركونني في صنع النجاح وحصتهم محفوظة لهم في ذلك، أما الفشل فهو مسؤوليتي، ولا أحبذ أن يكون هناك شركاء معي في هذا الفشل، ولا زالت هذه قناعتي وأسلوبي في العمل، وشهادتي في هؤلاء مجروحة).
إنه الوفاء بعينه، خالد الحمد المالك، رئيس تحرير صحيفة الجزيرة منذ عام 1999م المملكة العربية السعودية.
وهو رئيس اتحاد الصحافة الخليجية منذ عام 2017م.
تولى منصب رئيس مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين بين 2016 - 2024م، ونائب رئيس مجلس إدارة الهيئة ذاتها، ورئيس مجلس إدارة مدارس الرياض.
والمدير العام وعضو مجلس إدارة الشركة الوطنية الموحدة للتوزيع، كما شغل عضوية مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر.
إنه خالد الحمد المالك رجل تاريخ، وقائد مظفر وصحفي محنك، أعطاه المولى واصطفاه وكرمه وشرح صدره وهداه، أمة في رجل وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد.
ما زلت تهتف بالقديم وفضله
حتى حميت أمانة القدماء
خلفت في الدنيا بياناً خالداً
وتركت أجيالاً من الأبناء
وغداً سيذكرك الزمان ولم يزل
للدهر إنصاف وحسن جزاء
ينظر في مادة المقالة إن شئت: خالد المالك صانع نجوم الصحافة، ضحية الشعر الفصيح - نصف قرن من التحديات والمعارك. تركي الدخيل. الأربعاء 24/ ربيع الأول/ 1441هـ الخميس 21 نوفمبر 2019م.