د. أحمد محمد القزعل
الهشاشة النفسية هي حالة من الضعف ونوع من أنواع الاضطراب النفسي أو القابلية العالية للتأثر بالعوامل النفسية والاجتماعية، وبالتالي فإن الشعور بالهشاشة النفسية يجعل الفرد يعتقد أن المشاكل التي يواجهها هي أكبر من قدرته على التحمل، وبالمحصلة يغرق الفرد بالأفكار والمشاعر السلبية والأزمات النفسية المتعاقبة، فيبقى رهين الخوف والضغط النفسي.
وقد تتجلى هشاشة الفرد النفسية في عدة أشكال، مثل: الحساسية المفرطة للنقد أو الفشل حيث يكون الشخص أكثر عرضة للشعور بالإحباط أو الضيق عند مواجهته لأي نوع من النقد، مع انخفاض الثقة بالنفس والشعور بالتوتر والخوف الدائمين حتى في المواقف التي لا تتطلب ذلك، فيعاني الشخص من صعوبة في الإيمان بقدراته ومهاراته مما يجعله يشعر بعدم الأمان أو الشك المستمر في نفسه وشعور الفرد بالإنهاك النفسي والتحطم الروحي، وفقدان القدرة على المقاومة تماماً وبأنه أقل شأناً من الآخرين ويلوم نفسه على كل الأخطاء حتى وإن كانت لا تخصه، كذلك الاعتماد الزائد على الآخرين بشكل مفرط للحصول على الطمأنينة والدعم والصعوبة في التعامل مع التغيرات، فيجد الأشخاص الذين يعانون من الهشاشة النفسية صعوبة في التكيف مع التغيرات أو التحديات الجديدة في حياتهم.
ويمكن أن تنجم الهشاشة النفسية عن مجموعة من العوامل، بما في ذلك التجارب السلبية في الطفولة، الضغوط النفسية المزمنة، نقص الدعم الاجتماعي، أو حتى العوامل الوراثية، ومن المهم التعامل مع هذه الحالة من خلال الحصول على الدعم النفسي المناسب، سواء من خلال العلاج النفسي أو الدعم الاجتماعي، لتحسين القدرة على مواجهة الضغوط الحياتية بشكل أكثر فعالية.
حقيقة فإن الوقاية من الهشاشة النفسية تتطلب مجموعة من الاستراتيجيات التي تهدف إلى تعزيز الصحة النفسية والقدرة على التعامل مع الضغوط الحياتية، وفيما يلي بعض العوامل المهمة للوقاية من الهشاشة النفسية: الدعم الاجتماعي وإقامة علاقات قوية وداعمة مع الأصدقاء والعائلة، والانضمام إلى مجموعات اجتماعية أو نوادٍ لمشاركة الاهتمامات والهوايات، وكذلك من المهم العناية بالصحة البدنية وممارسة الرياضة بانتظام، حيث إن النشاط البدني يساعد في تقليل التوتر والقلق وأهمية تناول غذاء صحي ومتوازن والحصول على قسط كافٍ من النوم، ولا بد من تنمية المهارات الشخصية وتطوير مهارات حل المشكلات واتخاذ القرارات وتحسين مهارات التواصل والتعبير عن المشاعر بشكل صحي، ووضع أهداف واقعية وقابلة للتحقيق في الحياة الشخصية والمهنية، وتجنب التوقعات غير الواقعية التي قد تؤدي إلى الإحباط، وممارسة التفكير الإيجابي والتركيز على الجوانب الإيجابية في الحياة.
ولا بد للتغلب على الهشاشة النفسية من المواجهة الإيجابية بالحديث مع الفرد عما يؤلمه ويعرضه، وفي الحقيقة فإن الشريعة الإسلامية مليئة بالتوجيهات والحكم لبيان كيفية التعامل مع الأشخاص ومنحهم الطاقة الإيجابية، وقد صح أن فتى أتى النبي ? فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه، فزجروه، قالوا: مه مه، فقال: (ادنه)، فدنا منه قريباً قال: فجلس، قال: (أتحبه لأمك؟). قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم) قال: (أفتحبه لابنتك؟) قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس يحبونه لبناتهم) قال: (أفتحبه لأختك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس يحبونه لأخواتهم) قال: (أفتحبه لعمتك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك قال:(ولا الناس يحبونه لعماتهم) قال: (أفتحبه لخالتك) قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: (ولا الناس يحبونه لخالاتهم)، قال: فوضع يده عليه، وقال: (اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه)، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء»/ مسند أحمد، رقم الحديث: (22112).
وهكذا فإن قوة الأصل الإسلامي تتجلى في مساعدة الفرد على الوصول إلى حكم صائب، وبالتالي منحه الطاقة الإيجابية وتعزيز ثقته بنفسه والوصول به إلى بر الأمان، فالإسلام يقدم العديد من المبادئ والتوجيهات التي يمكن أن تساعد في تعزيز الصحة النفسية والوقاية من الهشاشة النفسية، منها: تعزيز الإيمان بالله والثقة في قدرته وحكمته والتوكل على الله والاعتماد عليه في الأوقات الصعبة، مما يوفر شعوراً بالراحة النفسية والطمأنينة ويقلل من القلق والتوتر، كذلك فإن الصلاة والعبادة قراءة القرآن والأذكار والدعاء والتدبر في معاني القرآن والأحاديث النبوية والتفكر في عظمة الله - عز وجل - والتأمل في الطبيعة والصبر على المصائب والشدائد والاحتساب والرضا بقضاء الله وقدره، والحرص كل الحرص على التغذية الروحية من خلال العمل بكتاب الله وسُنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتشجيع الفرد بكافة الطرق المعنوية والحسية؛ مما يسهم في الكشف عن مواهبه وطاقاته الكامنة ويزيد من استمرارية العمل الطيب وتخليصه من الهشاشة النفسية، هذه المبادئ الإسلامية كلها تعتبر وسائل فعالة تساعد في تحقيق الاستقرار النفسي والروحاني، وتوفر وقتاً للتأمل والسكينة، وتساعد في مواجهة التحديات بشجاعة وثبات، ومن خلال هذه المبادئ، يمكن للمسلم أن يجد في الإسلام منهجاً شاملاً يعينه على تحقيق الصحة النفسية والوقاية من الهشاشة النفسية.