أ.د.عثمان بن صالح العامر
للحق، فقد كنا جيلاً يعيش عقدة الأجنبي، يعتقد بتفوقه، ويؤمن بصعوبة مماثلته فضلا عن منافسته. كنا نعتقد أن العالم هو الغرب، وأننا لا يمكن بحال أن نفكر بيوم ما أن نغازله، أو نجلس نحن وهو على طاولة المفاوضات العادلة، أو يكون بيننا مثاقفة متساوية بل غزو واستعلاء، أكثر من ذلك كنا - مثلنا مثل بقية دول عالمنا العربي - تحت وطأة الهزيمة النفسية التي منينا بها جراء استعمار عدد من بلاد العرب وانصياعنا لسياسة الإغراق التي جعلتنا نشعر بأننا فقط مستهلكون لما ينتجه العالم، ليس لنا مكان في قائمة الدول الصناعية، فضلاً عن أن ندخل نادي الكبار المؤثرين في الاقتصاد العالمي حتى جاء سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين رئيس مجلس الوزراء، فبعث الهمم، وأحيا العزائم، راهن بشباب وفتيات الوطن، جعل مساحة التفاؤل ما بين المشرق والمغرب، ومستوى الطموح لا يحده إلا السماء، وقوة الثبات كثبات الجبال الراسيات (طويق) ثلثاه راسخان في الأرض والثلث هو ما نراه، والرجاء أن تكون بلادنا (أوروبا جديدة)، والغرب ليس الخيار الأوحد بل سنكون نحن الخيار الأمثل الذي يبحث عنه العالم أجمع، وهذا طبعا احتاج وما زال يحتاج إلى تغيير في عقلية الإنسان السعودي وتفكيره، يحتاج إلى أن ينفض إنسان الوطن عنه غبار الهزيمة النفسية التي مني بها من قبل، يحتاج إلى أن نستيقظ من سبات السكون للواقع، والقناعة التي تلبسناها سنين طويلة بأنه ليس في الإمكان أكثر مما كان، ومن ثم ننافس على مقاعد الصدارة العالمية، وكان لنا ذلك بفضل الله أولاً ثم بوجود قيادة قوية حكيمة، عازمة جازمة، وعقول سعودية فذة، ورؤية متكاملة وصولاً لعام 2030، ومبادرات نوعية رائعة، واستراتيجيات وطنية متقنة، ومتابعة دائمة من لدن مقام ولاة أمرنا حفظهم الله ورعاهم.
المعادلة السعودية اليوم تختلف عنها بالأمس سياسياً واقتصادياً وفكرياً واجتماعياً، انقلبت الموازين في كثير من المناحي والمجالات حتى صار حضورنا العالمي وتواجدنا الفعلي في الساحة الدولية طاغياً على كثير من دول العالم الأول، خاصة عندما يكون الأمر متعلّقاً بالطاقة، أو بمحاربة التطرف والإرهاب، أو حين تكون قضية الشرق الأوسط هي التي على طاولة الحوار، أو حتى أمن الخليج ومستقبل العالم العربي والإسلامي، أو عندما تطرح قضية توازن القوي العالمية في تماس الشرق مع الغرب بعد حرب روسيا لأكرانيا، أو...، بل إن المملكة العربية السعودية أضحت اليوم - بفضل الله عزَّ وجلَّ ثم بوجود قيادة فذة وفريدة - مؤثِّراً فاعلاً في رسم الاستراتيجيات المستقبلية لعدد من دول المنطقة التي صارت تضبط بوصلة رؤيتها على ضوء تحركاتنا المدروسة التواقة لصناعة مستقبل خليجي وعربي جميل، يختلف جذرياً عن سابق عهده المليء بالإخفاقات والنكسات والنكبات والصراعات والخيانات التي غيّبتها الشعارات، وضيّعتها الرايات، وعصفت بها الأهواء والتحزّبات التي لا تخفى..وللحديث بقية في مقال الجمعة بإذن الله، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام .