عبدالله إبراهيم الكعيد
قلتُ في مقدّمة المقال الماضي المعنون بـ(إسكات البنادق) إنني أعيش في بلدِ لا يُسمع فيه صوت الرصاص إلا أثناء مشاهدة أفلام (الأكشن) في صالات السينما أو متابعة مسلسلات التلفزيون التي تتفنن في تصوير مشاهد القتل. قصدتُ بذلك حالة الأمن الفريدة التي نتمتع بها ولله الحمد في بلادنا الآمنة المملكة العربية السعودية.
علّق على هذا الجزء من المقال العميد إبراهيم بن علي العمري من الإدارة العامة للسجون قائلا: تزامن نشر مقالك مع حضوري فيلماً في إحدى صالات السينما في الرياض. الفيلم أمريكي ضمن سلسلة أفلام (باد بويز) من بطولة ويل سميث. المؤثرات الصوتية مع تضخيمها داخل الصالة يشعر المتفرّج وكأنه داخل الأحداث. الفيلم الذي تم عرضه من أفلام ما يُسمى بـ(الأكشن) المليء بالعنف وإطلاق الرصاص والكثير من الدماء.
لاحظ العميد إبراهيم أن معظم الحضور أعمارهم صغيرة مما قد ينغرس في اذهانهم أن لغة الرصاص هي الحل وكأننا نؤسس لمجتمع لا يعرف لغة الحوار. ويدعو العمري لدق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان.
أتفق مع العميد في خوفه من أن تؤثر مثل تلك الأفلام وغيرها على النشء خصوصاً أولئك الذين يصعب عليهم الخروج من العالم الافتراضي إلى الواقع.
يمكن اكتساب أنماط السلوك العدواني من ثلاثة مصادر: أحدها وسائل الترفيه والإعلام، حسب دراسة أجرتها الباحثة باربرا ويتمر بعنوان (الأنماط الثقافية للعنف) تمت ترجمتها إلى العربية ونُشرت في عالم المعرفة عدد شهر مارس 2007 .
اتضح من تلك الدراسة أن العنف التلفزيوني يُعلّم أنماط سلوك عدوانيّة، بل ويقلل من حساسيّة الناس نحو العنف ويعوّدهم عليه. إنّه يتحكّم بتصوّر الناس عن الواقع الذي يُؤثر في السلوك. لتأكيد هذه النتيجة أجزم بأن مراكز أبحاث الجريمة لديها معلومات حول هذا الأمر تستند على ارقام واحصاءات دقيقة ولهذا أتمنى نشر مثل تلك الشواهد في مختلف الوسائل وخصوصا منصات السوشيال ميديا تلك التي يطلّع على محتواها معظم فئات المجتمع لعلها تساعد في تنوير الناس حول تأثير مشاهدة أفلام العنف بشكل واع أو غير واع حسب ما ورد في أكثر من دراسة نُشرت في دوريات علم النفس، إذ تُشير معظمها إلى ظهور ذلك التأثير السلبي على المدى القصير من خلال زيادة التوتر والقلق أثناء المشاهدة.
أما على المدى الطويل فقد يتغير سلوك المشاهدين لتلك الأفلام من خلال تفاعلهم مع أفراد أُسرهم أو محيطهم الاجتماعي.
الآن ما الذي يجب فعله حتى يمكن الحد من تأثير مشاهدة أفلام العنف واستخدام لغة الرصاص بدلاً من لغة الحوار؟
المنع ليس هو الحل الأمثل لكنني اقترح أن يتم تصوير مشهد قصير جدا لأحد مشاهير الدراما السعوديين المحبوبين يُحذر فيه من تقليد ما سوف يشاهده الجمهور، ويتم عرض ذلك التنبيه قبل شارة بدء أي فيلم عنف وفي جميع صالات البلاد.