د. مجد نواش الحدادين
الجراحة الروبوتية تقنية ناشئة جديدة ومثيرة للغاية تغزو مهنة الجراحة، ومع ذلك حتى هذه اللحظة، كان السباق للحصول على هذه التكنولوجيا الناشئة ودمجها محصوراً على المراكز التي ترغب في أن تكون معروفة بالتميز في الجراحة طفيفة التوغل، على الرغم من النقص الحالي في التطبيقات العملية باستخدام هذه التقنية.
ولا يوجد شك أن الروبوتات الجراحية تقنية جديدة تحمل وعدًا كبيرًا وغالبًا ما يتم الإعلان عن الجراحة الروبوتية باعتبارها الثورة الجديدة، وهي واحدة من أكثر المواضيع التي يتم الحديث عنها في عالم الجراحة اليوم. ومع ذلك حتى هذا الوقت، كان الدافع وراء تطوير الأجهزة الروبوتية والحصول عليها مدفوعًا إلى حد كبير بالتسويق من قبل الشركات المخترعة والمطورة لهذه التكنولوجيا، ولكن ليس هناك شك في أنها ستصبح مستقبلاً أداة مهمة في التسلح الجراحي، لكن مدى استخدامها لا يزال في تطور مستمر.
على الرغم من أن الروبوتات لا تزال آلات غير ذكية (حيث يتم برمجتها وتوجيهها من قبل الإنسان)، فقد تم تحقيق خطوات كبيرة في توسيع فائدتها، وتُستخدم الروبوتات لأداء مهام محددة للغاية ودقيقة للغاية وخطيرة في الصناعة والبحث لم تكن ممكنة في السابق باستخدام قوة عمل بشرية، حيث تُستخدم الروبوتات بشكل روتيني لتصنيع المعالجات الدقيقة المستخدمة في أجهزة الكمبيوتر، واستكشاف أعماق البحار، والعمل في بيئة خطرة على سبيل المثال لا الحصر، ومع ذلك ما زال دخول الروبوتات في المجال الطبي الجراحي بطيئة إلى حد ما.
بدأ تاريخ الروبوتات في الجراحة مع الروبوت Puma 560، الذي تم استخدامه في عام 1985، حيث تم تصوره كتكنولوجيا لتوسيع قدرات الجراحين البشريين إلى ما هو أبعد من حدود الجراحة التقليدية، وأظهرت العديد من الدراسات أن الجراحات بالروبوت تؤدي إلى تقليل مدة الإقامة في المستشفى، وعودة أسرع إلى العمل، وتقليل الألم، وتجميليا أفضل، وتحسين وظائف المناعة بعد العملية الجراحية، ولكن دون فارق يذكر إذا تم مقارنتها بجراحة المنظار.
في عصرنا هذا، وصلت جراحة الروبوت إلى درجات متطورة جداً مقارنة بقلة استعمالها على الصعيد العالمي، فعلى سبيل المثال يمكن لجراح معين في قارة معينة إجراء عملية جراحية لمريض في قارة أخرى عن طريق الاتصالات اللاسلكية والإنترنت (الجراحة الروبوتية عبر القارات)، ومع أن هذه التكنولوجيا قد تبدو مغرية وتعطي نظرة من التقدم والتطور، لكن يبقى السؤال هل هي آمنة؟، ماذا لو فقد اتصال الإنترنت خلال الجراحة؟، وماذا لو حدثت مضاعفات خلال الجراحة تستوجب التدخل الجراحي التقليدي؟، وماذا عن حاجز اللغة بين القارات؟، وماذا لو حصل عطل بالروبوت؟.
وهذه وغيرها من المخاوف والتساؤلات قد تكون عقبة أمام الانتشار الأوسع لجراحة الروبوت.
وأحد العيوب الأخرى لهذه الأنظمة هو تكلفتها، فإن تكلفتها تكاد تكون باهظة جداً. أما إذا كانت أسعار هذه الأنظمة سوف تنخفض أو ترتفع فهي مسألة تخمين، حيث يعتقد البعض أنه مع التحسينات في التكنولوجيا واكتساب المزيد من الخبرة مع الأنظمة الروبوتية، فإن السعر سينخفض، بينما يعتقد آخرون أن التحسينات في التكنولوجيا، مثل: اللمس، وزيادة سرعات المعالج، وزيادة قدرة البرامج الأكثر تعقيدًا ستزيد من تكلفة هذه الأجهزة (تماماً كما حدث بجراحة المنظار مقارنة بالجراحة التقليدية)، وهناك أيضًا مشكلة تحديث الأنظمة (SOFTWARE UPDATE)؛ وما هو المبلغ الذي يتعين على المستشفيات ومنظمات الرعاية الصحية إنفاقه على التحديث وكم مرة؟ وهل زيادة التكلفة سوف تنعكس على المريض؟.
على الرغم من أنها لا تزال في مهدها، فقد أثبتت الجراحة الروبوتية بالفعل أنها ذات قيمة كبيرة، ولاسيما في الجراحات التي لا يمكن الوصول إليها عن طريق جراحة المنظار التقليدية، وما زالت جراحة الروبوت قيد الدراسات والتطور والتحديث المستمر، وسوف يكون لها دور فعال في المجال الجراحي في المستقبل القريب، لكن وبكل تأكيد، دون الاستغناء عن لمسات الجراحة البشرية وذكاء الإنسان.