د.شريف بن محمد الأتربي
تعمل جميع الدول على أن تكون صاحبة السبق في سوق المنتجات بأنواعها وأشكالها واستخداماتها كافة، ومن ينجح منها يكن له الريادة، وتصبح هذه المنتجات مصدراً دائماً للدخل القومي، وعلى الجانب الآخر تظل أغلب دول العالم الثالث تمثل لهذه الدول الكبرى فئة المستهلكين، بل إن كثيراً من الحروب والاحتلال من قبل هذه الدول الكبرى كان هدفه إبقاء هذه الدول المحتلة كمستهلكين دائمين لما تطرحه هذه الدول في الأسواق، ولا تعطى أي فرصة لهذه الدول الضعيفة أن يكون لها أي دور في الأسواق سوى الاستهلاك فقط، فينشأ أبناء هذه الدول على ثقافة الاستهلاك فقط.
على مدار مئات السنوات، ومنذ بدأ التعليم ونحن نمثل للعالم فرصة لتصدير منتجاتهم التعليمية، سواء من ناحية الأدوات أو الخطط أو الاستراتيجيات وحتى المادة العلمية وطرق التدريس وتقييم الأداء يتم استيرادها من الخارج، مع وضع الرتوش المحلية ليتناسب مع البيئة الاجتماعية لطلابنا.
جاءت شبكة الإنترنت لتقرب المسافات بين الدول، وترفع حواجز نقل المعرفة والخبرات، لتتسارع وتيرة التغيرات في ميدان التعليم والمهارات، حتى جاء الذكاء الاصطناعي ليدلو بدلوه في كل المجالات، ويعوض النقص في الخبرات والذكاءات، ويقدم فرصة ذهبية لأصحاب العقول النقية من المعلمين والمعلمات، والخبراء والخبيرات، لتحسين التعليم واستثماره بشكل صحيح ليرتبط بخطط الدولة الاستراتيجية ورؤيتها المستقبلية.
يبدأ العام الدراسي ليجد الطلبة أنفسهم مقيدين بواجبات واختبارات ومشاريع، تهدف جميعها لتقييم الأداء وصرف الدرجات من بنك المعلمين والمعلمات، ناهيك عن الاختبارات الخارجية من تحصيلي وقدرات، والاختبارات الدولية TIMSS «الاتّجاهات في الدراسات العالمية للرّياضيات والعلوم»، والدراسات المسحية TALIS «الدراسة العالمية للتعليم والتعلم»، وPIRLS «الدراسة الدولية لقياس مدى تقدم القراءة في العالم»، و PISA البرنامج الدولي لتقييم الطلبة، لتدور عجلة الأيام وتتسارع السنون وهم داخل هذه الاختبارات مسجونين، ولتحصيل أعلى الدرجات مجبرين، وإلا لا مكان لهم في الجامعات الحكومية، وليس لهم إلا الجامعات الأهلية أو حتى الخارجية، لتزداد أعباء الميزانية وربما تتوقف رحلة التعليم قبل بلوغ القطار محطته الأخيرة.
خلال هذه الرحلة الطويلة لا نجد أثراً لهؤلاء الطلبة سوى ما ندر، ولكن مع وجود التقنية يمكننا أن نجعل من طلابنا منتجين للتعليم بدلاً من كونهم مستهلكين، فباستخدام AI يمكننا تحسين تعليمهم، وتفريده، بحيث ينال كل منهم ما يريده، وتبدأ المباريات التمهيدية بين ذكاء الطلبة والذكاء الاصطناعي، وكلما زاد التحدي، زاد إقبال الطالب على نهل المعرفة والعلوم من أجل تحقيق الفوز على هذا المنتج الرقمي، ويظل التحدي بينهما حتى يتفوق الطالب على ذكائه الاصطناعي، ويبدأ في إنتاج التعليم، وهنا تكون النقطة الفاصلة أو كما يقال لها BENCHMARK التي يجب أن يصل كل الطلبة عندها، ويرتفع سقف التحدي من جديد بين الطالب وذكائه، وكلما تفوق الطالب عليه تعتبر BENCHMARK جديدة لما هو قادم من التعليم للأجيال الجديدة.
إن إنتاج التعليم الفعّال في عصر التحول الرقمي يتطلب رؤية استراتيجية شاملة وجهوداً متكاملة من الجهات المعنية كافة لتحقيق نقلة نوعية في منظومة التعليم، وتمكين الأجيال القادمة من المهارات اللازمة لمواجهة التحديات المستقبلية، وتطلعات المجتمع.