د. محمد عبدالله الخازم
رحم الله أخانا عبد الله بن معيوف العنزي، كان خبر وفاته وابنه عبد العزيز فاجعة للجميع لكنها إرادة الله التي لا راد لها.
الكثيرون سيتحدثون ويكتبون عن أخلاقه وحسن معشره ولطفه، فكل يرى أبا عبد العزيز صديقه وزميله، بدليل رسائل التعازي الغزيرة وكل يعزي نفسه لأنه يراه الأقرب له، قبل أن يعزي عائلته وذويه. أتجاوز محبة الناس لعبد الله وذكره الطيب في العديد من المجالات وأكتب عن الأستاذ الجامعي الباحث المميز في مجاله. وعندما أذكر الباحث المتميز، فأنا أصنفه ضمن أقرانه، الذين هم في مقتبل أعمارهم الأكاديمية والبحثية. وأذكر، أنه يعرف رأيي، رحمه الله، حيث أخبرته - صادقاً- بأنني سعيد بقدوم جيل حديث متمكن من أدواته العلمية وهو أحدهم وخير من يمثّلهم. لكي تكون باحث مميز، هناك صفات عديدة يجب التحلي بها، واذكر منها ما كان يتميز به الراحل الدكتور عبد الله بن معيوف.
الجودة. ونعني هنا جودة الباحث العلمية وتمكنه من أدواته العلمية، حيث البحث الجيد ليس مجرد أسئلة أو سرديات أدبية بقدر ما هو تمكن من أدوات وطرق علمية يتدرب عليها الباحث سنوات ليستوعبها ويتقن تطبيقها. الدكتور عبد الله كان متمكناً من أدواته بدليل تعدد أبحاثه التي نشرها وطرق تناولها المختلفة.
التواصل. في عالم البحث الرصين، لا يمكنك العمل بمعزل عن الآخرين، ولا خيار لك سوى العمل مع مجموعات وباحثين آخرين من تخصصك وتخصصات أخرى. ولا يمكنك العمل بمعزل عن محيطك العلمي من طلاب وزملاء وجهات تشريعية وداعمة وغير ذلك. الدكتور العنزي، كان نموذجاً في هذا الشأن، فرغم صغر سنه كباحث إلا أنه تمكن من العمل ضمن مجموعات بحثية متنوعة محلية ودولية واستطاع التعامل باحترافية مع الجهات البحثية التشريعية والداعمة. إضافة إلى مهارة في قيادة مركز أبحاث كليته. كل ذلك دليل على قدرته وتميزه في التواصل الفعال مع الآخرين وهذه إحدى سمات الباحث والعالم المتواضع والمتمكن.
المثابرة. من يعمل في مجال البحث العلمي يدرك بأنه عمل منهك ذهنياً وميدانياً، يتطلب الجلد والاستمرارية والمثابرة ليل نهار. يعلم ذلك كثير من الزملاء الذين يعانون من كونهم يبدأون البحث أو فكرته لكن صبرهم ينفد ويصيبهم الملل فلا تكتمل مشاريعهم البحثية. الراحل، أمتاز بالمثابرة وتسخير جل وقته للبحث العلمي منفرداً ومشاركة مع الآخرين.
الشغف. ربما هو تحصيل حاصل للصفات السابقة، القول بأن الراحل كان شغوفاً برسالته البحثية والمعرفية في تثقيف وتوعية الناس من الأضرار الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تحدق بهم نظير عاداتهم السيئة وأبرزها تعاطي التبغ. كان شغفه يتجاوز نشر الأوراق العلمية إلى المشاركة المجتمعية التثقيفية في مختلف وسائل الإعلام المتاحة.
هذه ليست مجرد رسالة تأبين للراحل د. عبد الله بن معيوف العنزي أو حديث ذكريات معه رغم معرفتنا ببعض على مدى سنوات، بل رسالة لطلابه وزملائه بالذات الذين يبتدئون حياتهم البحثية والأكاديمية؛ تفكروا في ميزاته وإنجازاته -رحمه الله- المتعلقة بالعمل البحثي والأكاديمي، وليكن لكم فيها القدوة الحسنة. الجودة، القدرات التواصلية، المثابرة والشغف صفات تميز بها الراحل وتمثّل أساسيات النجاح في العمل البحثي وغيره من الأعمال.
رحم الله الصديق د. عبد الله بن معيوف العنزي وغفر له وأسكنه جنات النعيم.
- تنشر بالتزامن في مجلة «نبض الجامعة» الصادرة عن جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية.