منصور بن صالح العُمري
حين ولد اختار له والداه اسماً نبيلاً، وسبحان الله، كأنما أطلعهما الله على صفحات سيرته في شبابه فأطلقا عليه هذا الاسم الذي كان متسقاً مع أخلاقه فلا تكاد ترى منه إلا نبل الأخلاق في كافة شؤونه، ثم شبَّ واستأذن والديه ليستبدل اسمه واختار لنفسه اسم فهد لكنه لم يتخل عن نبيل، تركه اسماً بيد أنه تحلّى به صفة لا تفارقه في كل أحواله ومع كل من حوله، كان وحيد والديه من الذكور فلم يحظ بشقيق غير أنه بنبله تمثّل أبناءً عدة لوالديه وتجسد أشقاءً لكريماته فلا تراه إلا يسابق ذاته في أداء دور الابن البار والأخ الحنون حتى لتكاد تظن أنه لا يخالطه ضجر ولا يخالجه تذمر مهما تكاثرت أشغاله التي ينجزها بشغف وكفاءة تحلى بالنبل جوهر لا طلاء فلم يمحوه صفةً حين تخلى عنه اسماً وترعرع نبله كشجرة باسقة تضرب بجذورها أعماق سيرته ليبقى نبله شامخاً لا تهزه رياح ظروف صعبة لا تخلو منها حياة أي منا، شجرة لا تلقي إلا ثمراً يانعاً إن ألقت عليها الأقدار أحجار الصعاب وحين بلغ سن الزواج وتقدم لشقيقتي بعد رحيل والدي -رحمه الله- لم أتردد لحظة واحدة فلست أرى فيه سوى جمع من الصفات الحميدة تمثَّلت شاباً سوي الخِلقة والأخلاق ولم يخيب ظني فيه فكان نبعاً للمودة وطيب المعشر كزوج لشقيقتي وروضاً يبهج حياتها ثم ترقى في درجات نبله كأب شهم أحسن تربية ما وهبه الله من بنين وبنات وتمثّل لهم منذ نعومة أظفارهم قدوة حسنة فلا يشغله شاغل عن الصف الأول في صلاته ولا يجهده سهر أو يقعده تعب عن قيام ليله ولا تحجم يده عن مساعدة محتاج ولا تختلط عبارات البذاءة في حديثه وإن تلقاها من غيره ثم تعاظم رقي نبله ليكون في أبهى صوره حين ابتلاه الله بهذا المرض الذي افترس عافيته ونهش صحته غير أنه لم ينل من ثباته ورضاه بما قسم له مولاه فلا تراه يفتر عن الثناء والتسليم يتبعه بالاستغفار عند كل أنّة يطلقها وجعه في تألمه من سرطانه الذي تفشى في سائر جسده ولم يكتف بجزء منه ورغم ضراوة الأوجاع وشدتها غير أنها لم تسكن قلبه النابض بالإيمان ولا لسانه اللاهج بذكر الرحمن ولا بشاشة وجهه الذي غدا كفلق البدر لحظة احتضاره وكنت معه لحظة بلحظة عبر مكالمة مصورة وشفتاه لا تفتران عن ترديد الشهادتين ووجهه يشع إشراقة تنير قناديل الطمأنينة في أنفس من حوله لحظة احتضاره، والدته وزوجته وشقيقته وأولاده وكأنه لنبله يعتذر منهم أن أجرى مدامعهم لفراقه يعتذر منهم أن سعيه في خدمتهم يتوقففي لحظة رحيله إلى آخرته يعتذر لوالده المؤمن إن كان بعيداً عن عناقه، وفي ذات الأوان الحرج كأنما يسلّم شعلة نبله الذي لم يتخل عنها لحظة واحدة في حياته إلى أحبابه من حوله وكأنها وصيته الأخيرة النبل ليس اسماً لي لكنه صفة لا أتزعزع عنها ولا تتخلى عني، رحم الله فهد رحم الله من تعلّمنا منه مضامين النبل فعلاً وصفةً وتعاملاً وإن كان العزاء يقدّم لكل فاقد لعزيز فإن من فقد فهداً تقدّم له التهنئة على ظاهر حسن الختام التي نحسن ظننا بربنا الكريم أنه أنعم بها عليه وأبقاه نبيلاً حتى غادر الفانية للباقية، بل وكأن نبله انسحب على مواقف من حوله فلا ترى إلا أباً مؤمناً صامداً لا يفتر لسانه عن التسليم والرضا وأماً تثني على بره بأدمعها قبل أحرفها وزوجة علمتنا مضامين الوفاء والمصابرة وأبناء سبقوا سنين تجاربهم أدباً وتسليماً، وفي الختام لا نقول إلا ما قاله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي الله {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.